
بعد مضي أكثر من 13 عاماً من البقاء في لبنان، ومع تعلّقهم بالأرض التي احتضنتهم، جاء الانفصال كالصاعقة، حيث تخلى الكثيرون من النازحين السوريين عن كل شيء بين عشية وضحاها، حملوا ما استطاعوا حمله، وتوجهوا نحو وطنهم، مدفوعين بشوق حار وحنين لا يوصف وفق ما أكدوا لـ"النهار".
لقد اعتبروا أن الأمان أصبح هو العنصر الحاسم بعد سنوات من الظلم والقهر. منهم من يخطو نحو وطنه للمرة الأولى، وآخرون يسعون بشغف للبحث عن مفقودين، آملين لمّ شملهم من جديد، ومنهم من قرر البقاء في لبنان.
رفرفت أعلام الثورة السورية في بلدة عرسال، على سيارات النازحين السوريين، وسط أجواء من البهجة والفرح تملأ المكان، وشاحنات داخل المخيمات تملأ بالأمتعة.
رفعت أعلام الثورة السورية في بلدة عرسال، فوق دراجات وسيارات النازحين السوريين، وداخل المخيمات حيث تنساب الشاحنات بين المخيمات محملة بالأمتعة، بينما الأطفال يلعبون ببراءة، غافلين تماماً عما يحيط بهم من أحداث.
عند الساعة الحادية عشرة، شرعت القوى الأمنية، بما في ذلك الجيش والأمن العام، في إزالة السواتر الترابية من معبري الزمراني ومرطبية في جرود عرسال، لتقتصر العودة في البداية على راكبي الدراجات.
ومع مرور الوقت، افتُتح المعبر أمام السيارات، وبدأت الحافلات والسيارات التي تكتظ بالنازحين السوريين من منطقة القلمون فقط بالتدفق، محمّلة بأمتعتهم.
وقد أدى عدم وضوح آلية المغادرة والعودة، إلى جانب الأوضاع المأسوية التي يعانيها الداخل السوري، إلى تردد العائلات من منطقة القصير في اتخاذ قرار العودة، حيث يواجه الكثير منهم عائقاً كبيراً يتمثل في افتقارهم إلى وسائل النقل، وعدم قدرتهم على تأمين أجرة العودة وفق ما أكد لـ"النهار" الموظف في بلدية عرسال أحمد الحجيري.
على طول طريق بعلبك-حمص الدولي، حافلات وقافلات متجهة من القاع والهرمل نحو عرسال والمصنع الحدودي، نظراً لإقفال معبر القاع الحدودي إقفالاً تاماً من قبل الجيش اللبناني الذي كانت آلياته تتوجه مع تعزيزات إضافية إلى المنطقة الحدودية وتعليمات حازمة وصارمة تمنع أي شخص من دخول معبر القاع، حيث في الداخل السوري مسلحون.
في مشهد معاكس، توجهت نحو 150 عائلة مسيحية من بلدة ربلة في ريف حمص، متجهةً نحو بلدتي رأس بعلبك والقاع، في رحلة هروب من زخم المسلحين السوريين، ساعين إلى ملاذ آمن، وعلمت "النهار" أن العناصر المسلحة طلبوا من سكان ربلة أن يبقوا في أماكنهم، مشترطين عليهم عدم مغادرتها.
واحتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد، أقامت القوات اللبنانية في بلدة القاع وقفة تأبينية تحت عنوان "وفاءً لشهداء مجزرة القاع 28 حزيران 1978"، أمام مدافن البلدة مساء اليوم، تذكيراً بمأساة فجر الثامن والعشرين من حزيران عام 1978، حين هاجم الجيش السوري بلدات القاع، رأس بعلبك والجديدة، وسقط في تلك المجزرة 26 شاباً من بلدتي القاع ورأس بعلبك والجديدة، الذين أعدموا بوحشية في وادي الرعيان.
وفي تصريح لـ"النهار"، رأى رئيس بلدية القاع المحامي بشير مطر أن "العدالة الإلهية قد تحققت اليوم لشهداء مجزرة القاع". وأوضح أن ما يحدث على الساحة السورية لا يهمهم مضيفاً: "لا يهمنا من يتولى الحكم، بل ما يهمنا هو ألا تؤثر تلك الأحداث على لبنان، خاصةً أننا قرية حدودية".
ولفت إلى أن عدداً كبيراً من النازحين السوريين من ربلة قد تدفقوا ليلاً نحو البلدة، فيما أكد أن أهالي بلدة القاع قد أبدوا إصراراً على حماية أمن بلدتهم من أي تهديد أو مساس بأي شكل من الأشكال، ويتطلعون إلى أن تشهد سوريا مستقبلاً مشرقاً كدولة عصرية مدنية، حيث يسود الاستقرار ويتم ترسيم الحدود، ويتحقق بناء اقتصاد مشترك يعزز من تقدم المنطقة الحدودية وازدهارها.