انتخابات المغتربين تفجّر الجلسة التشريعية

لم تكن الجلسة التشريعية في مجلس النواب مجرّد محطة لإقرار بعض القوانين المالية والتنظيمية، بل تحوّلت إلى مسرح سياسي صاخب كشف حجم الانقسام العميق الذي يعيشه لبنان على أبواب الاستحقاق النيابي عام 2026.

فعلى الرغم من إقرار مشاريع أساسية مثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وفتح اعتماد إضافي لتحسين رواتب المتقاعدين في القطاع العام، بدا أنّ هذه القوانين لم تكن سوى "تفاصيل تقنية" مقارنة بالمعركة الكبرى على قانون الانتخاب واقتراع المغتربين. هنا، انكشفت الهوة بين الكتل النيابية، وظهر الانقسام على أنّه صراع يتجاوز الشكل إلى جوهر العملية السياسية في لبنان.

أصرّ نواب الكتائب و"الجمهورية القوية" والتغييريون على إدراج اقتراح قانون معجّل مكرّر يتيح للمغتربين التصويت لـ128 نائبا. بالنسبة إليهم، الأمر ليس تفصيلا إجرائيا، بل عنوان معركة سيادية وديموقراطية مرتبطة بصدقية الانتخابات نفسها. رفض رئيس مجلس النواب نبيه برّي إدراج القانون، بحجة وجود لجنة فرعية تدرسه، فما كان من الكتائب إلا أن افتتحت مسار الانسحاب، ليلتحق بها بعد أكثر من ساعة ونصف ساعة "القوات اللبنانية" والنواب التغييريون وبعض النواب المستقلين، وطار نصاب الجلسة.

وذهبت "القوات" أبعد في رفع السقف. وأوضح النائب جورج عدوان "أنّنا قرّرنا تعليق مشاركتنا في لجنة البحث في قانون الانتخاب، كي لا تكون الأخيرة ستارا لربح الوقت وتأجيل الانتخابات. وندعو كلّ الكتل الّتي لها موقف مشابه إلى التضامن معنا في كلّ خطوة، بدءًا من عدم المشاركة في اللجنة". 

وطالب عدوان بعقد جلسة للهيئة العامّة للمجلس "منقولة مباشرةً على الهواء، كي تعبّر كلّ كتلة عن موقفها من قانون الانتخاب، فيظهر الخيط الأبيض من الأسود، وينكشف بوضوح من يُريد إجراءها ومن لا يريد ذلك". 

وكانت الجلسة شهدت سجالا عنيفا بين النائب علي حسن خليل ونواب "القوات اللبنانية" على خلفية اتهام خليل لهم بمحاولة تطيير الانتخابات، تخلله صراخ وتوجيه كلام قاس من الطرفين، لينهي بعدها بري النقاش في قانون الانتخاب ويبدأ بالجلسة التشريعية وفقا لجدول الأعمال، وسط هرج ومرج في القاعة، وهدد برفع الجلسة ما لم يتوقف السجال.

وكان لافتاً دفاع بري عن رئيس الحكومة نواف سلام بعدما طالب النائب فراس حمدان كل من يتهمه بالعمالة بالاستقالة من الحكومة، ليردّ بري بأن سلام هو "رئيس حكومة كل لبنان وليس فئة معينة، وعلى الجميع أن يتقوا الله". 

لكن السهام لم توفر سلام بعد اتهامات مبطّنة له من بعض النواب بالرضوخ لضغوط سياسية، ومحاولة تحميله مسؤولية تعطيل قانون الانتخاب.

وفي المواقف، أكد وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار "التزام الوزارة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في أيار/مايو 2026، على أساس القانون الساري المفعول الذي يحدد مهلا دستورية، أولاها تنتهي في 20 تشرين الثاني/نوفمبر لتسجيل المغتربين".

وفي خطوة تدل على رفض "حزب الله" انتخابات المغتربين بالمطلق، حذّر عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب علي فياض من "محاولة للانقلاب على قانون الانتخاب النافذ بمادتيه 112 و122"، معتبرا أن "الهدف من ذلك هو الاستقواء بأصوات المغتربين بغية تغيير الخريطة النيابية جذريا".

ما برز في الجلسة يتجاوز الخلاف على تفسير قانون الانتخاب، ويعكس أزمة ثقة بنيوية بين القوى السياسية.