زيارة عراقجي لإثبات "ديمومة" النفوذ الإيراني في لبنان

يحلّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في بيروت مع تصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية على لبنان في توقيت تخوض فيه طهران مفاوضاتها مع واشنطن وانتظار ما ستحمله من انشطارات على الطرفين. ولن يكون لبنان والمنطقة في منأى عن هذه الآثار سواء كانت إيجابية أو سلبية. وتأتي هذه المحطة مع دعوة الرئيس نواف سلام إلى إنهاء "تصدير الثورة الايرانية".
ثمة مواضيع عدة سيناقشها عراقجي وهو ديبلوماسي متمرّس يواجه كلّ يوم جملة من الامتحانات الصعبة في لحظات التضييق على إيران وتقليم أذرعتها في الإقليم وكان أقساها تطيير حضورها في سوريا التي انتقلت إلى ضفّة أخرى ومناوئة لمشروعها. في الشكل ثمّة نوستالجيا سيشعر بها جمهور "حزب الله" ومن يلتقي معه عندما يشاهدون رئيس الديبلوماسية الإيرانية حيث لم يكن أحد يتوقع قبل الحرب الأخيرة أنه ممنوع على الطيران الإيراني الهبوط في مطار رفيق الحريري، لكن التبدّلات الأخيرة فرضت هذه المشهدية الجديدة التي يعرف الإيرانيون التكيّف معها ولو بصعوبة والخروج منها مع عدم مغادرتهم الساحة.
لن يعترض عراقجي على التعاطي مع لبنان من دولة إلى دولة ولو أن بلاده لن تتخلى عن علاقتها الخاصّة مع الحزب حيث كانت السبب الأول في ولادته عام 1982 ورعايته كل هذه السنوات. ولن يتأخر بحسب متابعين لأداء طهران عن تكرار استعداد دولته لدعم لبنان ومساعدته في البنى التحتية وقد تعمد إلى الإعلان عن استعدادها للمساهة في صندوق ترعاه الحكومة لإعمار الجنوب والمناطق الأخرى التي دمّرتها إسرائيل. وسبق لإيران قولها أكثر من مرة عن مساعدة لبنان في حقل الطاقة والكهرباء لكن المسؤولين المتعاقبين في أكثر من حكومة لم يقدموا على السير بهذا الطرح ليس من جراء العقوبات على إيران بل لاعتبارات أخرى أيضاً، وثمة اتفاقات عدّة تم إعدادها بين الدولتين وبقيت على الورق. وثمة شخصية لبنانية غير شيعية زارت طهران في الأسابيع الأخيرة واعترفت بأن "الضغوط الأميركية تمنعنا من التعاون معكم مع التعويل على نجاح المفاوضات النووية في تسوية هذا الملف. ولن تتأخر طهران اليوم عن تكرار أنها على كامل الاستعداد لدعم لبنان".
وفي زيارة عراقجي ورمزيتها إشارة دعم للحزب وجمهوره ومحاولة لرفع معنوياته في وقت لم تنفك إسرائيل عن مواصلة استهدافها كوادره العسكرية بعد وقف إطلاق النار من جانب لبنان فقط. وإلى جانب لقاءاته الرسمية ومع قيادة الحزب في طبيعة الحال سيجتمع مع ممثلين للفصائل الفلسطينية. وعند سؤاله عن سحب السلاح من المخيّمات فضلاً عن الحزب سيكون جوابه بالطبع أن هذا الأمر: "متروك للأفرقاء والدولة اللبنانية" ولن تفوته الإشارة هنا إلى التحذير من الخطر الإسرائيلي المفتوح في لبنان والمنطقة. ولن تخلو محطته في بيروت من التذكير بكلام سلام عن وقف "تصدير الثورة الإيرانية"؟ ويأتي الجواب هنا من المتماهين مع طهران بأن مشروع تصدير الثورة ليس بأدوات مذهبية أي تحويل هذه الدولة أو تلك من سنّية إلى شيعية "بل المقصود في التصدير هو الفكر المقاوم والتصدّي لمشروع إسرائيل التي لا تميّز في سيطرتها على الإقليم إن كان أهله من السنة أو الشيعة".
وفي معرض سؤال شخصية إيرانية عملت في لبنان لسنوات طويلة عن مسألة "التصدير" وتحذير سلام منها كان ردّها أن "على الجميع أن يعلم أننا نتعاطى مع كلّ الأزمات بعقلية باردة ولا نتنازل عن حقوقنا في حماية دولتنا وتثبيت حضورنا في المقاومة وأن تصدير الثورة هو فعل مقاومة وليس سلوك خيارات مذهبية. وندعم الفلسطينيين لأنهم أصحاب حق وقضيّة في وقت تخلى فيه عنهم العالم".
ولن يغيب موضوع التخصيب النووي وإلى أين وصلت المفاوضات مع واشنطن حيث ينتظر مسؤول لبناني ما سيسمعه عراقجي في هذا الخصوص مع التشديد على مسألة أن طهران لن تتخلى عن متابعتها العمل في هذه الحقل لأسباب سلمية وهو بمثابة "خط أحمر" ولو قدمت بعض التنازلات وهذا ما ستثبته وقائع ما ستخلص إليه المفاوضات المفتوحة بين عدوّين لدودين منذ عام 1979 حيث لم يصطدما في مواجهة كبرى طوال كل هذه السنوات.