لبنان 08-03-2025 | 11:00

مراكز الاحتجاز الموقّت في لبنان سجونٌ أخرى: اكتظاظ شديد وتوقيفات مديدة وانتهاكات للحقوق

زارت "النهار" دائرة التحقيق والإجراء، وهي مركز التوقيف الوحيد لدى المديرية العامة للأمن العام، والتقت مدير الدائرة المقدّم شربل البستاني.
مراكز الاحتجاز الموقّت في لبنان سجونٌ أخرى: اكتظاظ شديد وتوقيفات مديدة وانتهاكات للحقوق
صورة لمديرية التحقيق والإجراء في الأمن العام (النهار).
Smaller Bigger

"أماكن الحرمان من الحرّية في لبنان". هكذا وصفت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان السجون ومراكز الاحتجاز الموقت في لبنان، وتشمل مراكز التوقيف على ذمة التحقيق والمخافر ومراكز الاحتجاز الموقت في المعابر الحدوديّة والمطارات والموانئ البحرية وفي المخافر العسكرية وغيرها.

 

من المعروف عن السجون في لبنان أنها مُزرية وتُثير قلقاً بالغاً لدى المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي. تفاقمت المشاكل كثيراً نتيجة للأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي مرّ بها البلد في السنوات الأخيرة. إلا أن مراكز الاحتجاز الموقت لا تقلّ سوءاً عن السجون، بحسب تقارير منظمات حقوقية عدة، لا بل يمكن أن يكون الوضع فيها أكثر تعقيداً لما لها من خصوصيات عديدة.

 

لخّص تقرير للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن الاحتجاز في لبنان، بعدما زارت 190 مركز احتجاز من تموز/يوليو إلى كانون الأول/ديسمبر عام 2023. وبحسب التقرير، تكمن المشكلة الأساسية في الاكتظاظ الشديد الذي تشهده هذه المراكز، ما يؤثّر على الأوضاع الصحيّة والقضائيّة.

 

وأشار التقرير إلى أن مراكز الاحتجاز الموقت باتت تُستخدم كالسجون، رغم عدم استيفائها المعايير المطلوبة للاحتجاز الطويل الأمد. وتوصّل إلى أن بعض هذه الأماكن يعاني من سوء جودة الطعام المقدّم للمحتجزين ونوعيته وكميّاته القليلة، إضافة إلى عدم المساواة بين المحتجزين في مراكز الاحتجاز مع عدم وجود عناصر إناث للاهتمام بالموقوفات النساء.

 

ولفت إلى احتجاز القاصرين والقاصرات مع البالغين والبالغات في أماكن الاحتجاز التابعة لقوى الأمن الداخلي والتحقيق معهم من دون حضور مندوب الأحداث في الكثير من الأحيان، مع التطرق إلى ثغرات قانونية عديدة أبرزها عدم تعريف المحتجزين بحقوقهم المدنية والقانونية كاملة، رغم أن القوانين اللبنانية والمعاهدات الدولية التي وقّع عليها لبنان تطرّقت إلى جميع هذه التفاصيل.

 

"يطلب أرقام هواتف المحامين ثم يتأخر في الاتصال بهم"

 "وضع حقوق الإنسان في سجون لبنان لا يزال غير مقبول"، يقول المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان محمد صبلوح. ويضيف في حديث لـ"النهار": "هذا هو الواقع، رغم أن هناك وعوداً قطعها لبنان للمجتمع الدولي، بدءاً من ملف التوقيف وعدم الالتزام بالمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، التي توجب أن أي شخص يُقبض عليه يجب إبلاغ أهله بأنه موقوف. هناك عائلة نجلها موقوف منذ نحو شهر، وهي لا تعرف عنه شيئاً، ولا عن مكان توقيفه حتى. وبحسب تجربتي، هذا الإجراء يُطبّق بشكل أساسي فقط من قبل المخافر أو التحرّي (أي مفرزة الشرطة القضائية)، بينما لا تلتزم به الأجهزة الأمنية الأخرى مثل شعبة معلومات قوى الأمن الداخلي، والأمن العام، ومخابرات الجيش، وأمن الدولة، وخاصة في القضايا المتعلقة بالمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والعصابات، كما يحصل تأخير في إبلاغ المحامين".

 

ويلفت صبلوح، وهو مدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية، إلى "مثال عن فرع المعلومات الذي يطلب أرقام هواتف المحامين ثم يتأخر في الاتصال بهم، ما يُفوّت عليهم فرصة حضور التحقيق الأولي، نضيف إليها عدم التزام لبنان بتطبيق القوانين. فلبنان لا يلتزم بتطبيق القوانين التي وضعها استجابة لطلبات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وهناك وثائق تُثبت ذلك تحديداً بالنسبة إلى الانتهاكات التي تحصل في مرحلة التحقيقات الأولية. ولاحظنا نحن المحامين أن هناك ختماً موحداً يوضع على أغلب المحاضر، وهي أن الموقوف رفض الاستفادة من المادة 47 بالاتصال بأهله أو بمحامٍ واكتفى بتعيين طبيب، وهو أمر غير واقعي على الإطلاق".


هل مراكز التوقيف الموقت مجهّزة بشكل كامل لاستقبال هذه الأعداد من الموقوفين؟

يجيب صبلوح بالنفي، إذ "تعاني أولاً من الاكتظاظ، وقد حُوّلت سجوناً دائمة مع أنها مجهّزة للتوقيف الموقت، والغرفة الواحدة داخل نظارة المحكمة العسكرية، التي تتسع لـ5 أشخاص، يجلس داخلها 70 شخصاً".

 

ويختم حديثه مؤكّداً أن مركز سيدار "حاول تقديم عشرات الكتب والشكاوى لتحسين ظروف السجون، لكن دون فائدة أو أيّ تجاوب من الأطراف اللبنانية المعنية".

 

في دائرة التحقيق والإجراء

زارت "النهار" دائرة التحقيق والإجراء، وهي مركز التوقيف الوحيد لدى المديرية العامة للأمن العام، والتقت مديرها المقدّم شربل البستاني، الذي تحدّث عن أوضاع للموقوفين تأثرت كثيراً بسبب الأزمات الأخيرة في لبنان، "رغم أن الظروف أفضل بكثير من السنوات العشر السابقة".

 

تتألف الدائرة من مبنى خاص للرجال قدرته الاستيعابية نحو 200 نزيل، وآخر للنساء بقدرة استيعابية مماثلة، إلا أن مبنى الرجال يعاني من اكتظاظ وفي داخله بين 300 موقوف إلى 400.

 

وبحسب البستاني، فإن السبب الأساسي في الاكتظاظ هو أن ثلث النزلاء موجودون على سبيل الأمانة لصالح المراجع القضائية المختصة والقطاعات الأمنية الأخرى، وذلك نتيجة عدم تسلّمهم من تلك المراجع بسبب الاكتظاظ الموجود لديها، وهو ما يطيل في هذه الحالة مدة التوقيف.

 

ولا يعاني مبنى النساء من اكتظاظ مشابه، لكن العاملين فيه جميعهم من الرجال، وثمّة بعثات من مؤسسات دولية كالصليب الأحمر تساعد في تأمين الحاجات الشخصية للسيدات.

 

مديرية التحقيق والإجراء في الأمن العام (النهار)

 

 

توقيف احتياطي طويل الأمد وانتهاكات جسدية

بحسب دراسة للمفكرة القانونية عن تحدّيات ما بعد الأزمة في مراكز التوقيف، فإن الموقوفين يعانون أولاً من إطالة أمد التوقيف الاحتياطي، بسبب تأخّر مسار إحالة ملفّات الموقوفين من مرحلة التحقيق على مرحلة المحاكمة، ومن غياب المحامين في تمثيل المُتَّهَمين، إلى جانب تأخير المحاكمات التي تعود إلى عدم متابعة جلسات المحاكمة يوماً تلو الآخر، وعدم التزام السلطات القضائية بالمهل القانونية المنصوص عليها.

 

وفي السياق القانوني، يشرح  المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان محمد صبلوح عن أصول المحاكمة العادلة، وهي "التزام الأجهزة الأمنية بأصول المحاكمات إذ يجب على قاضي التحقيق، على الأقل، أن يعجّل في المحاكمة، فقد يحصل توقيف البعض لسنوات، ثم تستغرق المحاكمة سنوات أخرى، وبعدها يحصل الموقوف على البراءة!".

 

وعن التعذيب، يقول إنه "للأسف" لا يزال موجوداً في غرف التحقيق، مضيفاً: "سعينا دائماً عبر التقارير الصحية لإبراز حالات التعذيب الحاصلة، إلا أن هذه الطريقة لم تتغير لدى الأجهزة الأمنية، ما دعاني إلى تقديم شكاوى عدة، وتطوّر الأمر لاحقاً إلى الاحتيال على القوانين وعدم اعتماد التعذيب الجسدي كي لا تظهر الآثار الجسدية، بل يجصل التعذيب عبر عدم السماح للموقوفين بالجلوس لساعات عدة، بالتالي بعضهم يتبول على نفسه حتى يعترف بالإكراه، وهذا ما يؤدي إلى نتائج نفسية كبيرة لا تقلّ خطورة عن النتائج الجسدية. وعند إثارتنا ملفّ التعذيب، لا قاضي يتجرأ على فتح الملف ومحاسبة المسؤولين". 

 

ويتطرّق صبلوح في هذا السياق إلى مسألة في غاية الأهمية، فيقول إن "مشكلتي الأساسية مع المحكمة العسكرية هي أنهم يؤمنون بضرورة التعذيب لانتزاع الاعترافات، رغم تطوّر الوسائل الأمنية التي تكشف الجرائم بعيداً عن أيّ تعذيب جسدي أو نفسي".

 

وعن مدة التوقيف التي قد تستمر حتى شهر أحياناً، يلفت إلى أن المادة 32 من أصول المحاكمات الجزائية تلزم الأجهزة الأمنية بأن يكون التوقيف الاحتياطي يومين فقط قبل أن يتم التمديد ليومين آخرين، "وهو ما لا يحصل أبداً. لديّ موكلون موقوفون لدى وزارة الدفاع منذ شهر ولم يُعرضوا على قاضي التحقيق لأسباب غامضة، وعلى الأرجح ينتظر المعنيّون زوال آثار التعذيب عن الموقوفين".


وعن الخطوات اللازمة لجعل الأمور أفضل داخل مراكز التحقيق، يرى أن العسكريين الموكلة إليهم مهام التحقيق بحاجة إلى دورات تدريبية أكثر لمعرفة كيفية التعامل مع الموقوفين، وهو أمر غير متوفر بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان.

 

أوضاع تتطلب حلاً

من جهته، يتحدث المقدّم شربل البستاني عن أبرز المشاكل التي يواجهها الموقوفون، ومنها "عدم حيازتهم أوراقاً ثبوتية وعدم إمكانية تأمين تذاكر السفر لهم لزوم ترحيلهم إلى بلادهم، الأمر الذي يؤثر حتماً على إطالة مدة التوقيف، وهذه الأمور بحاجة لحل".

وتجدر الإشارة إلى أن "النهار" طلبت إذناً للقاء موقوفين، إلا أن الجهات المعنية لم توافق.

 

والمركز الذي زارته هو مركز توقيف إداري، وبالتالي يختلف التعامل داخله عن مراكز التحقيق الموقت في قضايا الجنايات، خصوصاً في ما يتعلق بالتعذيب. فقد شهد مركز لقوى الأمن الداخلي فضيحة عام 2023 بعد وفاة الشاب السوري بشار عبد السعود تحت التعذيب خلال التحقيق معه، وهي حالة من بين حالات عديدة أخرى، وفقاً لتقارير حقوقية.

أوجب القانون 191 تسجيل إجراءات الاستجواب بالصوت والصورة بدءاً من لحظة تلاوة حقوق المشكوّ منه، تحت طائلة بطلان محضر التحقيق والإجراءات اللاحقة له. إلا أن هذا الأمر نادراً ما ينفّذ في لبنان، والمحاضر لا تزال تُسجّل كتابةً فقط، بحسب البستاني الذي تحدّث عن عدم تجهيز مراكز التحقيق بالأدوات اللازمة لتسجيل التحقيقات. وفي المقابل ثمة جمعيات حقوقية تهتم بالشكاوى التي يقدّمها الموقوفون.


وقد أدى تدهور الأوضاع المعيشية ونقص الموارد المالية إلى تدهور الأوضاع داخل مراكز التوقيف، حيث يعاني الموقوفون من نقص في الغذاء والدواء والرعاية الصحية، بالإضافة إلى الاكتظاظ وسوء المعاملة. كما أن تأجيل المحاكمات بسبب الظروف الاقتصادية قد زاد من معاناة الموقوفين، الذين يقضون فترات طويلة في الحبس الاحتياطي دون صدور أحكام بحقهم.

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".