شتاء لبنان تأخرّ... انحسار الأمطار وهذا ما أظهرته خرائط مصلحة الأرصاد الجوّية
يقع المواطن في لبنان كعادته بين نارين في كل ما يطال يومياته ويحاول تسيير شؤونه بالحدّ الأدنى من الخسائر. وليس آخر هذه الشؤون تخوّف البعض في الأيام الأولى من العام 2025 من انحسار الأمطار ما أثار قلقهم من تداعيات خطيرة قد تؤثر على أمنهم الغذائي والصحي.
وفيما اعتدنا في لبنان على مشهد غرق الأوتوسترادات مع كل شتوة، ومحاصرة المواطنين لساعات داخل السيارات التي تدخلها المياه، بل وطوفان الأحياء السكنية والشوارع الداخلية، وارتفاع منسوبها واقتحامها المنازل والمحال التجارية، بدت لافتة هذا العام سيطرة الطقس الدافئ غير الاعتيادي على معظم المناطق اللبنانية، حتى إن البعض قصد الكورنيش البحري في العاصمة بيروت للاستمتاع بأشعة الشمس وممارسة الرياضة والسباحة على الشاطئ.
يصف ح.ع في حديثه لـ"النهار" انحسار الأمطار في أول أشهر السنة بـ"الفرصة الذهبية" لممارسة هواية السباحة في عزّ فصل الشتاء، ويقول: "لم نتمكن في العام الماضي، وفي شهر كانون الثاني/يناير تحديداً من الاستمتاع بمياه البحر الدافئة كما نفعل اليوم".
ويضيف: "نشعر بفارق كبير حتى الآن بين طقس هذا العام وطقس العام الماضي".
أما ج.ز فتعتبر أن انحسار الأمطار "رأفة من الله تجاه الناس الذين خسروا بيوتهم جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة"، وتقول لـ"النهار": "الله ما بسكّرها من كل الجهات".
هذه الإيجابية قابلها آخرون ممّن أثار انحسار الأمطار مخاوفهم، إذ قال أ.ح في حديثه لـ"النهار" الظواهر المناخية التي نشهدها في مختلف دول العالم لا تبشّر بالخير، ونأمل أن لا يكون للبنان حصّة من هذه الكوارث ولا سيّما الجفاف".
تظهر البيانات وخرائط الرصد التابعة لمصلحة الأرصاد الجوية في لبنان، تراجعاً في كمية الأمطار مقارنة بنفس الفترة مع السنوات الماضية في طرابلس وزحلة وبيروت.

البيانات هذه ترافقت مع إعلان مؤسسة "مياه بيروت وجبل لبنان"، في بيان، في كانون الأول/ديسمبر 2024 أنه "نتيجة ضآلة المتساقطات لغاية تاريخه، انخفض منسوب مياه الينابيع بشكل كبير كما منسوب المياه داخل الآبار، وأصبحت المياه في كل من سد شبروح وبحيرة بقليع شبه معدومة".
وقالت: "بناءً عليه وبسبب تعذّر وجود مصادر مياه إضافية، ستضطر المؤسسة إلى اعتماد برنامج تقنين قاس في توزيع المياه في المناطق كافة الواقعة في نطاق صلاحيتها ولا سيما كسروان والمتن والعاصمة بيروت".
ودعت المؤسسة المواطنين إلى "أخذ العلم والترشيد في استخدام المياه إلى حين أن ينعم الله بمزيد من الأمطار، مع تقديرها لتفهم المواطنين لهذه المرحلة".
اعتاد اللبنانيون في سنوات سابقة على أمطار ومنخفضات جوية في شهر كانون الثاني/يناير، إلا أن هذا العام يبدو مختلفاً عن السنوات السابقة، فهل ما نشهده ظاهرة طبيعية؟ أم أن لبنان بدأ يتأثّر بعمق بالتغيّر المناخي؟
في هذا الشأن، أكد رئيس دائرة التّقديرات في مصلحة الأرصاد الجوّية في مطار رفيق الحريري الدولي عبد الرحمن زواوي أنه "لا شك أن لبنان متأثر بظاهرة التغيّر المناخي، وخصوصاً خلال فصل الصيف من ناحية ارتفاع درجات الحرارة الدنيا حسب الإحصاءات لدينا، أمّا ما نشهده من انحسار للأمطار هذا الشهر فلا شيء يؤكد أنه ناتج عن التغيّر المناخي".

وقال "مررنا بسنوات شحيحة بالأمطار في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير وكانت أشهراً شبه صيفيّة، وهذه ليست المرّة الأولى، بل هي ظاهرة تحدث كل 8 أو 9 سنوات".
ويضيف: "العام الماضي كان معدل الأمطار جيداً وأعلى من المعدل العام، أما هذه السنة فأقل من المعدل العام وكذلك أقل من معدلات العام الماضي".
يشرح زواوي لـ"النهار" استناداً إلى خرائط مصلحة الأرصاد الجوّية، أنه خلال الأيام المقبلة أو حتى خلال الأسبوع المقبل لا منخفضات جوية مهمّة يمكن أن تؤثّر على لبنان بل سنشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة ابتداءً من يوم الاثنين المقبل بعد الانخفاض الذي شهدناه جرّاء مرتفع جوي مصدره شمال أفريقيا ويؤثر على شمال تركيا وجنوب وشرق أوروبا وكذلك لبنان".
يشير زواوي إلى أن لبنان يعاني كما تركيا وجنوب أوروبا وشرقها من ناحية انخفاض نسبة الأمطار، معتبراً أن طلب مؤسسة "مياه بيروت وجبل لبنان" من المواطنين الترشيد في استخدام المياه هو طلب لافت، قائلاً "مررنا بسنوات صعبة ولم يصدر هكذا إعلان".
وفيما يؤكّد زواوي أن كمية الأمطار هذا العام قليلة، يشدّد على أن "فصل الشتاء قد يتأخّر أحياناً، وعلينا انتظار شهرَي شباط /فبراير وآذار /مارس".
يوضح رئيس دائرة التّقديرات في مصلحة الأرصاد الجوّية في مطار بيروت الدولي أن المشكلة ليست في درجات الحرارة، فهي ضمن معدلاتها الموسميّة أو أعلى قليلاً، بل المشكلة في نوعية المنخفضات الجويّة الآتية والتي تتجه من القطب الشمالي عبر عملية تسمّى دفق الكتل الهوائية الباردة وتشكّل منخفضات لاحقاً، هي تتجه إلى غرب أوروبا وشمال أفريقيا ثم تصل إلينا ضعيفة وهذه ظاهرة شهدناها في سنوات سابقة".
نبض