حروب السنوات المقبلة: المياه تتقدّم على البترول

دوليات 06-06-2025 | 06:42

حروب السنوات المقبلة: المياه تتقدّم على البترول

الحروب المستقبلية ستقوم على منابع المياه وضفاف الأنهر، وليست محصورة في آسيا بل إنها تتفاقم بشكل حاد في أفريقيا والقارة الأميركية.
حروب السنوات المقبلة: المياه تتقدّم على البترول
صاحب متجر يعرض ساريا يحمل شعار عملية سيندور العسكرية في مدينة فاراناسي الهندية (أ ف ب)
Smaller Bigger

منذ القدم يطلق على شبه القارة الهندية اسم بلاد السند والهند، والسند هو النهر الذي ينبع من التيبت جنوبي غرب الصين على ارتفاع يزيد عن 5 آلاف متر يعبر شبه القارة الهندية وتحديداً عبر إقليم كشمير، وعليه تم إنشاء عدد من السدود لاسيما وأنه يعدّ ثالث أطول نهر في العالم، وعلى ضفافه نشأت واحدة من أقدم الحضارات، حضارة وادي السند.

عام 1960 تمّ إبرام اتفاقية بين الهند وباكستان بعد تقسيم شبه الجزيرة بين الدولتين، وذلك بوساطة من البنك الدولي بهدف تنظيم توزيع المياه. إنما انعدام الثقة بين الطرفين والنزاعات والحروب المستمرة بينهما، دائماً ما كانت تضع هذه المعاهدة تحت اختبارات قاسية، آخرها الاشتباك المسلح أواخر نيسان/أبريل الماضي.

وبعد هذه الأحداث الدموية عنونت صحيفة "نيويورك تايمز" إحدى مقالاتها: "انتهت المعركة الجوية بين الهند وباكستان، وبدأت حرب المياه بينهما"، بحيث إن الهند تأمل في الضغط على باكستان لإعادة التفاوض بشأن المعاهدة، بما يسمح لها باستخدام حصتها من المياه بشكل أفضل لتلبية احتياجات السكان والتكيف مع تغيّر المناخ. في حين تعد باكستان دولة قاحلة ولديها مصادر محدودة من المياه.

هذه عينة من الحروب المستقبلية التي ستقوم على منابع المياه وضفاف الأنهر، فهي ليست محصورة في آسيا بل إنها تتفاقم بشكل حاد في أفريقيا والقارة الأميركية، إذ يبدو أن المعاهدات والمواثيق لن تحول دون تفاقم هذا النوع من الصراعات والحروب في ظلّ الإجهاد الكبير على هذه الثروة الطبيعية مع ازدياد الكثافة السكانية حول العالم والتغييرات المناخية التي تؤدي إلى استهلاك سريع وتلوث كبير للمياه.

أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي يتوقع، في حديث مع "النهار"، أن يزداد هذا الصراع في السنوات المقبلة "ليس فقط بين الدول بعضها مع البعض الآخر كما يحدث حالياً بين دول حوض النيل، وسوريا والعراق مع تركيا، وفلسطين والأردن وسوريا مع إسرائيل، ولكن داخل بعض الدول نفسها مثل جنوب أفريقيا، والسودان بين قبائل شمال وجنوب دارفور".

 

الأمن الغذائي

من التداعيات المباشرة لنقص المياه العذبة ما سيطرأ على الأمن الغذائي، بحيث إن الزراعة تستهلك ما يقارب 70 في المئة من المياه العذبة، وقلة هذا المورد تعني تلقائياً نقصاً في سلاسل الإمدادات الغذائية مع كل ما يترتب عليه من  أزمات وحروب.

وفي هذا السياق، يقول شراقي إنه "من المتوقع أن يزداد الصراع على المياه في المستقبل مع تزايد عدد السكان والإقبال على إنشاء السدود من أجل المياه والطاقة، خاصة مع اقتراب نضوب البترول والغاز الطبيعي في كثير من دول العالم"، ويشير  إلى أن "تنامي الطلب على الطاقة الكهرومائية، والاختلافات المناخية، قد تؤدي إلى تجاوز الطلب على المياه بنسبة تصل إلى 40 في المئة بحلول عام 2040".

بالتوازي، يشير تقرير صادر عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 عن أسباب الصراع على المياه، إلى أن العديد من أحواض الأنهار الرئيسية ومستودعات المياه الجوفية تجاوزت حدود مواردها المتجددة أو وصلت إليها بالفعل. وفي التقرير عينه توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يرتفع السحب العالمي من المياه بنسبة 55 في المئة بحلول عام 2050 مقارنة بمستويات عام 2000.

والأخطر بحسب التقرير عينه، أنه مع تفاقم حدة الضغوط المائية تتوقع أجهزة الاستخبارات الأميركية أن "بعض الدول في أحواض الأنهار المشتركة قد تستغل السيطرة على إمدادات المياه عبر السدود وغيرها من البنى التحتية لممارسة نفوذها على دول أخرى مُطلة على النهر"، ويضيف أن مثل هذا "الإكراه الخفي من جانب قوة أعلى النهر على جارة أسفل النهر قد يكون له القدر نفسه من التدمير مثل العنف العلني".

 

قدرة الأمم المتحدة على الحلّ

وفي الإطار ذاته ينوّه أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة إلى وجود عدد من الاتفاقيات المشتركة بين الدول لاستخدام المياه، إضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، وهي اتفاقية إطارية، وقع عليها ما يقارب من 34 دولة ودخلت حيز التنفيذ في 17 آب/أغسطس 2014، وبالتالي يمكن الاسترشاد بها لباقي دول العالم.

وفي شق آخر يستند شراقي إلى تجربة مصر في سد النهضة واللجوء إلى مجلس الأمن في 2020 و2021، عندما أعاد القضية إلى الاتحاد الأفريقي ورفع يده بدعوى أنه غير متخصص في شؤون المياه تاركاً الأمر للدول صاحبة الشأن للتفاهم في ما بينها، كما لم تفعل الأمم المتحدة شيئاً في قضية مياه نهري دجلة والفرات بين العراق وسوريا مع تركيا، وكذلك في المياه الفلسطينية ونهر الأردن مع إسرائيل، وأخيراً الهند وباكستان. ويقول إن "مياه التحلية بتكلفتها الحالية لا تساهم في حلّ مشاكل المياه. والخلاصة في قضايا المياه من يستطع أن يأخذ حقه المائي، أو غيره، فليفعل، ويظل التفاهم والتعاون هو الطريق الأسلم والأفضل للجميع".

تبقى الإشارة إلى تعريف الأمم المتحدة للأمن المائي بأنه "إمكانية الحصول على كمية ونوعية كافية من المياه للصحة والعيش والنظم البيئية والإنتاج، مع مستوى مقبول من المخاطر المرتبطة بالمياه على الأشخاص والبيئات والاقتصادات" مع ضمان الحماية من التلوث والأخطار المتعلقة بالمياه، والحفاظ على النظم البيئية في مناخ يسوده السلام والاستقرار السياسي.

لكن على أرض الواقع، وبأرقام الأمم المتحدة نفسها، هناك 2.2 مليارا شخص يفتقرون للوصول إلى خدمات مياه الشرب المدارة بأمان.

وفي تقرير الأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية لعام 2024، والذي حمل عنوان "الماء من أجل الرخاء والسلام"، يشير في إحدى فقراته إلى أنه على الرغم من التقدم الكبير في اعتماد التكنولوجيات الجديدة، هناك "فجوة متزايدة بين تفاقم مشاكل إدارة المياه وقاعدة المعارف والمهارات المتاحة لمواجهتها في العديد من الأماكن". ويلفت إلى أن هذا الواقع يعيق تبني التكنولوجيات الجديدة في معالجة المياه وإدارة أحواض الأنهار بشكل متكامل، ما "يؤدي إلى زيادة هدر المياه وتلوث مصادر المياه العذبة، إلى جانب مستويات غير مرضية من خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية".

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 11/22/2025 12:24:00 PM
حرّر محضر بالواقعة وتولّت النيابة العامة التحقيق.
اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً.