الصراع في كشمير... تاريخ مقفل على الحلول ومفتوح على الحروب الكبرى
لكن هذه المقدمة للأحداث الآنية، لا يمكن الدخول في تفاصيلها من دون العودة إلى جذور الأزمة التي بدأت عام 1947 مع استقلال الهند عن بريطانيا وتقسيمها إلى دولتين: الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان ذات الغالبية المسلمة. وهذا التقسيم ترك إقليم كشمير منطقة متنازعاً عليها بين ثلاث دول: باكستان والهند والصين. ونتيجة هذا الخلاف الحدودي، سُجلت سلسلة من المواجهات العسكرية بين نيودلهي وإسلام أباد، والطرفان يتهمان بعضهما بعضاً بدعم منظمات عسكرية.
إضافة إلى ذلك، فإن هذا الإقليم غني بالموارد المائية، ما يجعله ذا أهمية استراتيجية، خصوصاً لجهة أنه يمثل مصدراً مهماً للأنهار التي تغذي باكستان.

الدكتور طلعت سلامة، الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية والمقيم في طوكيو، يرى أنه إلى جانب العوامل التاريخية، فإن الصراع الحالي "قد يحتوي أيدولوجيات جديده مدعومة من جهات خارجية لتأجيج النار المستعرة تحت الرماد والتي لم تخمد إطلاقاً على مر العصور، رغبة في تغيير البيئة الجيوسياسية للمنطقة والضغط على كلا الجارتين من حلفائهما".
وفي سياق الصراع الدولي والإقليمي، لا بد من الإشارة إلى العلاقات الوطيدة بين الهند والولايات المتحدة، والمتوترة مع الصين والتي تشهد صراع نفوذ كبير في منطقة المحيط الهندي. في المقابل، فإن باكستان تلقى دعم بكين التي أدخلتها في صلب مبادرة "الطريق والحزام" واستثمرت مليارات الدولارات عبر "الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني" الذي يمر عبر أراض في كشمير تحت سيطرة باكستان. وهذه من الأسباب التي تجعل للصين مصلحة اقتصادية مباشرة في استمرار سيطرة باكستان على هذه المناطق، كذلك الصراع الهندي - الباكستاني يخدم مصالحها بإبقاء نيودلهي منشغلة بحروب عسكرية، بدل أن تتحول إلى قوة اقتصادية آسيوية منافسة.
وفي هذا الإطار، يشير سلامة إلى أن الولايات المتحدة "أخطأت"، وكذلك الاتحاد الأوروبي، في فهم علاقة الهند والصين، فـ"الدولتان تشكلان معاً رؤية جديدة لعالم جديد وللتعددية القطبية ورغبة كل منهما في نيل جزء من زعامة العالم، والتي ستهدف بكل تأكيد إلى الاستقرار العالمي كبديل من القطب الأوحد".
لكن بالنسبة الى الباحث عينه، فإن "هناك تعاوناً مشتركاً كبيراً، إذ تعتمد الهند على استيراد الرقائق الإلكترونية وسلاسل الإمدادات من الصين بالإضافة إلى التجارة البينية بين البلدين والحدود المشتركة"، وعليه يستبعد أن يكون الصراع الحالي جزءاً من الصراع مع بكين.
مخاوف نووية
بالعودة إلى "تطمينات" وزير الدفاع الباكستاني بشأن استخدام الأسلحة النووية، يبدو أنها لم تأت من خارج سياق مخاوف حقيقية لنشوب مثل هذه الحرب، إذ أن ترسانة كلتا الدولتين تشمل رؤوساً حربية وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. ولكل منهما "عقيدتها النووية"، الهند تقول بـ"عدم الاستخدام الأول"، أمّا باكستان فتشير عقيدتها إلى إمكان استخدام "النووي التكتيكي" مبكراً إذا تعرضت لاجتياح بري من الهند، خصوصاً في إقليم البنجاب أو كشمير، وهذا ما يجعل من الأخير أكبر من خلاف إقليمي.
وربطاً بهذا الواقع، يجد سلامة أنه "لم يعد مستبعداً دولياً استخدام الأسلحة النووية أو البيولوجية في الصراعات المسلحة، وإن تفاوتت الاستخدامات", ويقول إن الصين يمكنها التدخل في حل النزاع الراهن "لما لها من علاقات متشابكة بين الجارتين النوويتين سواء كانت علاقات اقتصادية أو عسكرية".
إنما مع تداخل العلاقات الدولية والمصالح السياسية أو الاقتصادية أو تنافرها في جنوب آسيا، فإن تداعيات النزاع لا يمكن أن تبقى محصورة في إطارها الجغرافي "الضيق" على رغم كبر الدولتين بالمساحة و الكثافة السكانية، فإن تفاقم الصراع سيؤثر مباشرة على الاقتصاد العالمي وسلاسل الإمداد وأسعار النفط، خصوصاً أن الدول المعنية بشكل مباشر تشكل جزءاً أساسياً من الدول السبع الكبرى، وبالتالي من حركة التجارة العالمية.
نبض