
كانت كوريا الشمالية تستخدم مناوراتها البرية تحت إشراف الزعيم كيم جونغ أون أو إطلاق صواريخ بالستية باتجاه بحر اليابان لتمرير رسائل عسكرية إلى جيرانها، لا سيما الجنوبية منها، عن مدى قوتها واستعدادها لأي نزاع مسلح، لا سيما أنه مستند إلى ترسانة نووية.
عندما وقّعت موسكو وبيونغ يانغ في حزيران (يونيو) الماضي معاهدة للدفاع المشترك، لم تكن أوكرانيا قد هاجمت إقليم كورسك الروسي على حدودها الشرقية. وفي الوقت عينه كانت كوريا الشمالية تعاني عقوبات أممية جعلتها من أكثر الدول عزلة في العالم، عززتها طبيعة نظامها الحاكم.
في آب (أغسطس)، ومع الهجوم المباغت للقوات الأوكرانية على كورسك، ومع انشغال الجيش الروسي بالجبهات داخل المناطق الشرقية في أوكرانيا، ومع تحقيقه مكاسب ميدانية كبيرة، وجدت القيادة في موسكو أن لا ضير من تفعيل المعاهدة مع نظام كيم. فكان القطاع الروسي المحتل أوكرانياً أول ساحة قتالية فعلية للقوات القادمة من كوريا الشمالية لمؤازرة الجيش الروسي.
يوم الثلثاء برز إعلان مسؤول عسكري أميركي أنّ القوات الكورية الشمالية تكبّدت مئات الضحايا بين قتيل وجريح في القتال ضدّ قوات كييف. وأرجع المسؤول العسكري الأميركي الذي رفض الكشف عن هويته، سبب هذه الخسائر الكبيرة إلى "افتقار القوات الكورية الشمالية إلى خبرات قتالية". ونقلت وكالة "رويترز" عنه قوله "هؤلاء ليسوا جنوداً متمرّسين في المعارك. لم يسبق لهم أن شاركوا في القتال"، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر ساهم على الأرجح في "تكبّدهم الخسائر التي لحقت بهم على أيدي الأوكرانيين".
تزامناً، كان المتحدث باسم البنتاغون اللواء بات رايدر، يؤكد أن لدى وزارة الدفاع الأميركية "مؤشرات على أن قوات كوريا الشمالية تكبدت خسائر في الأرواح، بين قتيل وجريح". وأن الكرملين حشد قوة مشتركة قوامها 50 ألف جندي روسي وكوري شمالي لطرد القوات الأوكرانية من روسيا.
ويراقب المسؤولون الكوريون الجنوبيون عن كثب أداء أسلحة كوريا الشمالية وقواتها في الحرب، مع احتمالات فرار الجنود من ساحة المعركة لاستخلاص رؤى حول استعدادات جيشها. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً مفصلاً عن مشاركة كوريا الشمالية في حرب لأول مرة منذ عقود، ونقلت عن مسؤولين في الاستخبارات الكورية الجنوبية أنه "تمّ تدريب القوات الخاصة الكورية الشمالية على التسلل عبر البحر والنهر وعبر التضاريس الجبلية في كوريا، وأنه من غير الواضح مدى استعدادهم لحرب استنزاف، وهي الآن تخوض معارك بالمدفعية والطائرات بدون طيار وفي الخنادق وعلى أراض منبسطة".
لكن خسائر بيونغ يانغ قد تتخطى العسكرية منها، فالاتفاق مع الكرملين أمّن للزعيم الكوري أموالاً، نظامه بحاجة ماسّة لها، وقد يحصل على تقنيات تتعلق بالصواريخ البالستية أو الأقمار الاصطناعية، لكن من جهة أخرى، توطيد العلاقة هذه كانت على حساب تلك التي مع الصين، إذ تراجعت التجارة البينية في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، مع الإشارة إلى أن بكين تعدّ الشريان الحيوي لمرور المواد الغذائية وغيرها في ظل العقوبات الدولية. والخوف الأكبر اكتساب قوات بيونغ يانغ خبرات قتالية قعّالة، ما قد يهدد السلم الإقليمي الذي يرزح في الأصل تحت ضغوط أمنية كبيرة.