القنّب الهندي الشرعي في البقاع: مشروع تحرّر اقتصادي من قبضة السياسة والضريبة

تشهد منطقة البقاع تحوّلاً اقتصادياً واجتماعياً محورياً مع تبلور معالم مشروع زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي (الشرعي)، الذي يتجاوز كونه مجرد نشاط زراعي جديد ليصبح نموذجاً واعداً لتحرير المزارع من التبعية التقليدية.
فالمشروع يوجّه رسالة واضحة الى المزارعين: "انتهى زمن الخضوع لسطوة النافذين وتقلبات السوق وجشع التجار"، ليحلّ مكانه واقع جديد يضع المزارع في موقع القرار "سيد نفسه"، مُستقلاً بقراره المالي والزراعي.
شفافية مالية واستقلال عن الواسطة
يقوم النموذج الجديد على إرساء آليات تضمن للمزارع الشفافية المالية الكاملة وكسر حلقات الاستغلال. فالتأكيد على أن الأموال ستأتي مباشرة لكل مزارع على حسابه الخاص، وأن الدولة ستأخذ ضريبتها من الشركات وليس من المزارع مباشرة، يضمن تسلم المزارع قيمة محصوله كاملة.
كما يُشدد المشروع على استخدام البذور المحلية اللبنانية التي أثبتت كفاءتها في إنتاج (CBD)، مما يعزز الميزة التنافسية للمنتج الوطني، وهو اعتراف بالقيمة المضافة (The Local Premium) للمنتج اللبناني.
الرقابة والبورصة لضمان النزاهة
لضمان نزاهة العملية ومنع تحويل الإنتاج للاستخدام غير الشرعي، يتبنى المشروع تقنيات عالية في الرقابة والحوكمة، بحيث ستتولى الشركات تركيب كاميرات مراقبة فوق الأراضي المزروعة، لضمان مراقبة المحصول حتى وقت الحصاد. أما عملية البيع نفسها فتتم عبر البورصة من خلال تطبيق إلكتروني تديره الهيئة الناظمة، يُتيح للمزارع البيع المباشر وفق أربعة تصنيفات (أخضر، يابس، زيت، بودرة)، مع ضرورة أن يكون لكل مزارع سجل رسمي كامل يتضمن كل التفاصيل الضرورية. هذه الرقمنة والشفافية تمنع الاحتكار وتضمن وصول المحصول للشركات مباشرة، مُلغية بذلك الحاجة إلى الوسطاء.
صراع النفوذ والتمثيل الإقليمي
على رغم الوعود الاقتصادية، لم يخلُ المشروع من توترات داخلية تتعلق بالإدارة والتمثيل. إذ أعربت جمعيات وجهات بقاعية مثل "التنمية والإنماء في البقاع" والاتحاد العام للنقابات الزراعية، عن شكواها من عدم تمثيل المنطقة بشكل كافٍ في الهيئة الناظمة.
وطالبت بأن يكون المدير العام وأعضاء الهيئة "أبناء الأرض" لكونهم الأدرى بتفاصيل الملف، محذرين من أن أي مشروع يُفرض على الناس "ساقط حُكماً". هذه المطالب التي وردت في أكثر من 20 كتاب مراسلة منذ عام 2020، تكشف عن صراع نفوذ إقليمي على إدارة هذا القطاع الاقتصادي الواعد الذي يَعِد بتحقيق الاستقلال الاقتصادي للمزارع.
علماً ان المدير العام يُعيَّن وفقاً لأحكام المادة التاسعة من القانون رقم 178/2220، وذلك بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح سلطة الوصاية، من بين ثلاثة أسماء يُرشّحها مجلس الإدارة بحسب معايير الكفاءة، التخصص، والخبرة.
تُحدَّد ولاية المدير العام بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
ويتمتع المدير العام بالصلاحيات التالية:
- تنفيذ الخطط، البرامج، والقرارات التي يعتمدها مجلس الإدارة.
- مراقبة مدى الالتزام بالقوانين والأنظمة النافذة ضمن نطاق عمل الهيئة.
- القيام بالمهام الإدارية والفنية المرتبطة بعمل الهيئة، ضمن الصلاحيات المحددة له.
الوعد الاقتصادي والتحدي السياسي
مشروع زراعة القنب الهندي يلوح في الأفق "فرصة ذهبية" لإحداث تحوّل اقتصادي في البقاع، قائم على الشفافية وتجنّب التبعية السياسية.
ومع دعوة رئيس الهيئة الناظمة داني فاضل، المزارعين الى تجهيز أراضيهم قبل آذار المقبل، يبدو أن عجلة الإنتاج قد بدأت بالدوران.
لكن نجاح هذا المشروع مرهون بقدرة الهيئة الناظمة على تجاوز التحديات السياسية الداخلية، والتعامل بحكمة مع المطالب المشروعة لتمثيل أبناء بعلبك في إدارة الملف، لضمان ألا يتحول اقتصاد السيادة إلى نزاع نفوذ.
هل سيمنح هذا المشروع الزراعيين امتيازات تمكّنهم من العيش بكرامة وتحقيق حياة اجتماعية أفضل من السابق، بعيداً من التبعية؟ وهل سيسمح أصحاب النفوذ بذلك؟