في مشهد يعكس عمق التقارب الاقتصادي والاستراتيجي بين الإمارات وتركيا، ويؤكد المكانة المتنامية للبلدين في النظام المالي الإقليمي والعالمي، وقع مصرف الإمارات المركزي والبنك المركزي التركي ثلاثة اتفاقات محورية تمهد لانطلاقة جديدة في مسار التعاون المالي والتقني، خصوصاً في مجال المدفوعات العابرة للحدود، بما يعزز التكامل الاقتصادي ويرسم ملامح مرحلة أكثر ترابطاً واستقراراً في العلاقات الثنائية بين البلدين.

تضمنت الاتفاقات تجديد اتفاق مقايضة العملات بين الدرهم الإماراتي والليرة التركية، ومذكرتي تفاهم في مجالي استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات المالية والتجارية عبر الحدود، وربط أنظمة الدفع والمراسلات المالية، وقد وقعها كل من خالد محمد بالعمى، محافظ مصرف الإمارات المركزي، والدكتور فاتح كاراهان، محافظ البنك المركزي التركي، بحضور عدد من المسؤولين الكبار من الجانبين، وفقاً لبيان صادر عن مصرف الإمارات المركزي.

تفاصيل الاتفاقات

ويهدف اتفاق تجديد مقايضة عملتي البلدين، التي تصل قيمتها الاسمية إلى 18 مليار درهم إماراتي و198 مليار ليرة تركية، إلى دعم التعاون المالي والتجاري بين الإمارات وتركيا من خلال توفير السيولة بالعملات المحلية في الأسواق المالية، بما يتيح تسوية المعاملات المالية والتجارية عبر الحدود بطريقة أكثر كفاءة ومرونة، وتشكل هذه الخطوة أداة فاعلة لتعزيز الاستقرار المالي ودعم التجارة الثنائية في ظل التقلّبات العالمية في أسعار الصرف.

أما مذكرة التفاهم الأولى، فتستهدف إرساء إطار مؤسسي لاستخدام الدرهم الإماراتي والليرة التركية في تسوية المعاملات التجارية والمالية بين البلدين، بما يُساهم في تعزيز سيولة السوق وتنشيط التجارة البينية، فضلاً عن تسهيل التحويلات الخارجية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة.

وتشمل المذكرة تأسيس نطاق تسوية بالعملات المحلية لتوسيع مجالات استخدام عملتي البلدين في معاملات الحسابات الجارية والرأسمالية، إلى جانب تعميق تبادل المعلومات والخبرات الفنية بين الطرفين بما يحقق المصالح المشتركة.

في حين تهدف مذكرة التفاهم الثانية إلى تطوير التعاون في مجال أنظمة الدفع عبر الحدود وربط البنى التحتية للمدفوعات في البلدين.

وتشمل المذكرة الربط بين منصة الدفع الفوري (آني) في دولة الإمارات ونظيرتها في تركيا (فاست)، بما يتيح معالجة المعاملات المالية عبر الحدود بسرعة وفاعلية أكبر، كما تتضمن تبادل الخبرات بشأن تطوير العملات الرقمية للبنوك المركزية، واستخدام بطاقات الدفع المحلية وفق الأطر التنظيمية والرقابية المتفق عليها، بما يعزز الابتكار المالي ويواكب التحول الرقمي في المدفوعات العالمية.

مصرف الإمارات المركزي والبنك المركزي التركي يوقعان 3 اتفاقيات (وكالات)

آفاق جديدة

وفي هذا السياق، يؤكد خالد محمد بالعمى، محافظ مصرف الإمارات المركزي، أن الاتفاقات "تعكس التزام المصرفين المركزيين دعم مساعي البلدين للارتقاء بعلاقات الشراكة الاستراتيجية إلى آفاق جديدة في المجالات المالية والتكنولوجيا المالية والمدفوعات الرقمية عبر الحدود"، مشيراً إلى أن "استخدام عملتي البلدين في المعاملات المالية والتجارية يساهم في تقليل الأكلاف والوقت اللازم لتسوية المعاملات، ويطور سوق صرف العملتين، مما يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري والتحويلات المالية وتعزيز استقرار الأسواق."

وتعقيباً على ذلك، ترى الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، أن هذه الاتفاقات تمثل خطوة نوعية نحو "توطيد التعاون المالي والاقتصادي بين الإمارات وتركيا، إذ تتيح تسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية، ما يعزز مرونة حركة التجارة والاستثمار بين البلدين، ويرفع وتيرة النمو الاقتصادي المتبادل".

وتضيف أن الاتفاقات "تفتح الباب أمام استخدام طرق غير تقليدية في مجال الدفع، وتعميق التعاون في الحسابات الجارية ورأس المال، إلى جانب تبادل الخبرات والمعلومات بما يحقق المصلحة المشتركة."

وتؤكد أن الإمارات، بما تملك من منظومة تشريعية متقدمة تسمح بتداول مختلف أنواع العملات التقليدية والرقمية، تمثل بوابة رئيسية لربط تركيا بأسواق آسيا وإفريقيا، مشيرة إلى أن "هذا التعاون المالي يمكن أن يمهد الطريق أمام توسع التجارة التركية في الأسواق الإفريقية والآسيوية عبر الإمارات، بما يدعم تنويع قنوات التجارة الدولية للبلدين."

وتشير إلى أن التحول نحو تسوية المعاملات بالعملات المحلية ليس مجرد اتفاق مالي فحسب، بل خطوة استراتيجية تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الإقليمي في مجال المدفوعات الرقمية العابرة للحدود، وتُساهم في بناء نظام مالي أكثر استقلالاً واستقراراً في مواجهة التحديات العالمية الراهنة.