رغم التقلّبات الحادة التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية، تبرز كلٌّ من قطر والإمارات كنموذجين فريدين في منطقة الخليج، إذ استطاعتا بناء اقتصادين أكثر مرونة وقدرة على مقاومة "الصدمات النفطية". ففي حين لا تزال اقتصادات العديد من الدول تعتمد بشكل شبه كامل على الإيرادات النفطية لتغطية الإنفاق العام، نجحت الدوحة وأبو ظبي في تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستثمارات في قطاعات غير نفطية، بما مكّنهما من الحفاظ على استقرار مالي واقتصادي حتى في فترات تراجع أسعار الخام.
تنويع اقتصادي واستراتيجي... الإمارات، على سبيل المثال، تمكّنت خلال العقدين الماضيين من تحويل اقتصادها إلى واحد من الأكثر تنوعًا في الشرق الأوسط، إذ تمثل القطاعات غير النفطية اليوم نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي، مدعومة بازدهار قطاعات السياحة، والتجارة، والخدمات اللوجستية والعقارات. كذلك دبي أصبحت مركزًا ماليًا عالميًا يجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال من مختلف أنحاء العالم، فيما تتجه أبو ظبي إلى توسيع استثماراتها في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة ضمن رؤية "الحياد الكربوني 2050".
أما قطر، فتمتلك أحد أقوى الاقتصادات في المنطقة، بفضل قيادتها العالمية في صناعة الغاز الطبيعي المسال (LNG)، الذي يشكّل العمود الفقري لاقتصادها. ومع المشاريع التوسعية الضخمة في حقل الشمال، تستعدّ الدوحة لزيادة إنتاجها من الغاز بأكثر من 60% خلال الأعوام المقبلة، ما يمنحها مصدرًا مستدامًا للإيرادات، ومستوى من الاستقرار المالي الذي تصعب زعزعته حتى مع تراجع أسعار النفط الخام.
مضخات نفط (وكالات)
رغم ضعف تأثر اقتصادهما بالنفط… الدرهم والريال يظلان محميين نعم، فهذا الاستقرار يرجع أولًا إلى ربط العملتين بالدولار الأميركي، ما يوفر غطاءً نقديًا ثابتًا يحميهما من أي هبوط مفاجئ في أسعار الخام، كما تدعمهما احتياطيات مالية ضخمة وفوائض تجارية مستمرة، مما يمنح الحكومتين القدرة على مواجهة أي صدمات اقتصادية أو نفطية من دون التأثير على الإنفاق العام أو استقرار الأسواق المحلية. ويضاف إلى ذلك دور التنوع الاقتصادي الكبير في الإمارات وقطر، إذ أسهمت الاستثمارات في قطاعات السياحة، والخدمات المالية، والعقارات، والطاقة المتجددة في تقليل الاعتماد على النفط والغاز، ما جعل اقتصادهما أكثر مرونة وقدرة على الصمود. حتى مع توقعات بزيادة الإمدادات النفطية من العراق أو تحولات في السوق العالمية، يظل تأثير ذلك محدودًا على استقرار العملة، إذ تضمن الهيكلة المالية القوية استمرار التدفقات الاستثمارية وحماية القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين.
بهذا الشكل، فهما تمثلان نموذجًا متقدمًا من دول الخليج في إدارة المخاطر الاقتصادية والنقدية، وتحافظان على عملة قوية تعكس قوة اقتصادهما وقدرته على مواجهة أيّ تقلبات مستقبلية في أسواق الطاقة العالمية.
ماذا عن ارتفاع صادرات العراق... هل التأثير محدود؟ أما بخصوص إعلان العراق عن قفزة متوقعة في صادراته النفطية إلى نحو 3.65 ملايين برميل يوميًا مع استئناف صادرات إقليم كردستان، فمن غير المرجّح أن ينعكس ذلك بشكل سلبيّ مباشر على قطر أو الإمارات. فزيادة الإمدادات العراقية قد تضيف بعض الضغوط على أسعار النفط العالمية، لكنها تبقى محدودة ضمن مزيج العرض العالمي الذي يتجاوز الـ 100 مليون برميل يوميًا.
في المقابل، فإن الإمارات وقطر تمتلكان قدرة مالية وهيكلًا اقتصاديًا متنوعًا يمكّنهما من امتصاص أي تأثير سعري موقت، بل قد تستفيدان من استقرار السوق على المدى المتوسط، إذ يدعم ذلك النشاط التجاري والإقليمي، ويعزّز الطلب على الخدمات اللوجستية والطاقة في المنطقة.