الأردن يمضي بمدينة "عمرة" الجديدة وسط تحديات كبيرة وطموحات أكبر
يمضي الأردن بالتخطيط والإعداد لمشروع المدينة الجديدة (عمرة) بهدف استيعاب جزء من التوسع الحضري المتسارع للعاصمة عمان ومدينة الزرقاء، وتوفير البدائل المناسبة للمواطنين من حيث نوعية أفضل من السكن والمعيشة بأسعار معقولة، وإيجاد حلول بديلة لمواجهة تحديات توفير الخدمات العامة.
وطُرحت فكرة المدينة الجديدة لأول مرة في عهد حكومة هاني الملقي (2016 – 2018)، قبل أن تستبعدها حكومة عمر الرزاز، ثم تعيد الحكومة السابقة برئاسة بشر الخصاونة إحياءها، لتصبح بالنهاية تكليفاً ملكياً للحكومة الحالية برئاسة جعفر حسان.
ويقطن 56% من سكان الأردن في عمان والزرقاء، وهي نسبة تقول الجهات الرسمية إنها مرشحة لزيادة طبيعية كبيرة خلال العقود الثلاثة المقبلة، ما يفرض إيجاد رؤية مستقبلية، لتخفيف الضغط السكاني واستدامة البنى التحتية وتحسين نوعية الحياة للمواطنين فيها.
أما موقع مشروع المدينة الجديدة، فيقع على طريقين دوليتين تربطان الأردن بالسعودية والعراق، وتبلغ مساحتها الإجمالية المقدرة بعد الانتهاء منها قرابة 277 ألف دونم، ومن المقرر أن يبدأ العمل الفعلي بمشاريع البنية التحتية للمدينة العام الحالي، بحيث تم تخصيص نحو 623 مليون دولار من الموازنة لتمويل إنشاء البنية التحتية، في حين تقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بين 8 و12 مليار دولار.
"التطبيق ليس سهلاً"
ومن وجهة نظر المُخطط الإقليمي والباحثة في المدن الذكية لينا خليل عطيات، فإن "المدينة الجديدة يُنظر إليها بصفتها امتداداً وتوسعاً عمرانياً حضرياً، في صيغة اتصال مباشر مع العاصمة الأم عمّان. والهدف من هذه المدينة، هو التخفيف من الأعباء السكانية والخدماتية على العاصمة الإدارية والسياسية والاقتصادية الحالية، والخروج بحلول أصيلة لمشكلات النقل والخدمات وتسهيل الوصول".

وتضيف لـ"النهار" إن "الأمر يواجه الكثير من التحديات على المستويات التشريعية والفنية والإدارية والمالية، لكن الدولة ومؤسساتها تأخذ على عاتقها مسؤولية إيجاد الحلول لهذه التحديات وتذليل كل الصعوبات، للوصول إلى حالة من التوافق في تأسيس المدينة. وسيكون العمل على أساس التطوير العقاري، بحيث نصل إلى أعلى درجات التكامل والشمولية، فلا يكون التخطيط أحادي الجانب يركز على قطاع ويغفل آخر، بل يسير بالتوازي على صعيد المؤسسات الخدمية والدعم اللوجستي والنقل والاتصالات، وهو ما يجعلها مدينة ذكية وفق ما يتم وصفه في العديد من الجلسات والتصريحات".
وبشأن مدى تأثر الخطوة الأردنية بنظيرتها المصرية، خصوصاً بعد ذهاب وفد أردني للاطلاع على تجربة العاصمة الإدارية في مصر أخيراً، تؤكد عطيات أنه "لا يمكن القول إنها استنساخ للتجربة المصرية، لأن التخطيط الحضري يأخذ في الاعتبار الخصائص والميزات النسبية للمكان، إلى جانب التفاصيل الديموغرافية والجغرافية الخاصة بالأردن. وما سنشهده هو نمذجة للتجربة المصرية والعالمية وتطبيق أفضل الممارسات بما يتوافق مع هويتنا الوطنية واحتياجاتنا وأولوياتنا".
وتتابع أن "الأمر ليس سهلاً من ناحية التطبيق، لكن حزم السلطة الرسمية وجديتها في اتخاذ هذه الخطوة سيكون لهما دور كبير في تذليل العقبات والاستفادة من الفرص والحد من نقاط الضعف، وتسخير عناصر القوة لخدمة المشروع ودفع عجلته. وسيكون العمل تراكميّاً بين القطاعات الرسمية والخاصة والأهلية، مع فتح الباب واسعاً أمام الاستثمارات".
وتشير إلى أن "المدينة ستُقام وفق مواصفات المدن الذكية، سواء على صعيد خدماتها أو حتى طرازها المعماري، الذي سيُراعى فيه استخدام الطاقة النظيفة، وإعادة تدوير المياه، وأنظمة عزل المباني، ومتطلبات البناء الأخضر".

تأمين التمويل اللازم
أما الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، فيرى "أن التفكير في إنشاء المدينة الجديدة جاء مدفوعاً بجملة من التحديات التي تواجه العاصمة، وعلى رأسها التزايد السكاني الكبير، إذ يقدَّر عدد سكان محافظة العاصمة بنحو خمسة ملايين، أي ما يعادل 42% من سكان الأردن، الأمر الذي انعكس بوضوح على ضغط الخدمات العامة وولّد اختناقات مرورية خانقة في ظل غياب منظومة نقل عام متكاملة".
ويضيف لـ"النهار" أن "ارتفاع أسعار المساكن في عمّان نتيجة زيادة الطلب على الأراضي رفع الأعباء المعيشية على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، ما جعل الحصول على سكن ملائم مهمة صعبة بالنسبة لشريحة واسعة من المواطنين".
وفي ما يتعلق بأبرز التحديات التي تواجه المشروع، فتتمثل كما يراها الكتوت في تأمين التمويل اللازم للبنية التحتية، موضحاً أن بيع الأراضي قد يغطي جزءاً من الأكلاف، لكنه لا يلغي الحاجة الى رصد موازنات كبيرة للإنشاءات الأساسية، في حين يحذّر في الوقت ذاته من اللجوء إلى الاقتراض الخارجي لتمويل المشروع، لما قد يحمله من أعباء إضافية على الخزينة العامة.
كذلك يشير إلى مخاطر محتملة تتعلق بغياب الشفافية والرقابة، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام إهدار المال العام أو سوء استغلال العقود والصفقات، فضلاً عن تساؤلات بشأن الضغوط الخارجية التي قد تسعى إلى توظيف المشروع في سياقات سياسية، مثل مشاريع التهجير القسري.

تحريك العجلة الاقتصادية
إلى ذلك، يعتبر الخبير والمحلل الاقتصادي حسام عايش أن التكلفة الكبيرة للمشروع من شأنها تحريك العجلة الاقتصادية من خلال ضخ الأموال في مشاريع البنية التحتية والطاقة والذكاء الاصطناعي، لكنها في الوقت ذاته قد تموّل في معظمها عبر القروض، وهو ما يضع عبئاً إضافياً على الاقتصاد الأردني.
ويؤكد عايش لـ"النهار" أن الحاجة الفعلية للأردن لمثل هذه المدينة ليست كبيرة، إذ كان بالإمكان توجيه جزء من هذه المخصصات نحو تطوير المدن القائمة وتحويلها إلى مدن ذكية بتكلفة أقل وجهد أسرع، فالتقنيات الحديثة باتت متاحة بتكلفة معقولة. كما أن استثمار هذه الأموال في مشاريع إنتاجية في مجالات الصناعة، الزراعة، الطاقة والتكنولوجيا، كان سيعود بعائد اقتصادي أكبر من تجميدها في بنية حجرية باهظة الأكلاف.
ويضيف: "لا أظن أننا بحاجة إلى استعراض اندماجنا في العالم الرقمي من خلال بناء مدينة جديدة فقط، إذ يمكن تحقيق ذلك عبر إنشاء مراكز بيانات ضخمة، أو مشاريع متقدمة في الذكاء الاصطناعي، أو حتى من خلال إصلاح النظام التعليمي. ما يجري هو انسجام مع (الموضة) السائدة المنطقة، حيث تتجه بعض الدول مثل مصر والسعودية إلى إطلاق مشاريع مدن ذكية، في إطار دفع الاقتصاد عبر البوابة العقارية".
كذلك يلفت إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار أن التكلفة الحقيقية للمشروع قد تكون أعلى بكثير من المعلنة، سواء بسبب عامل الوقت أو الفرصة البديلة. كما أن هذه المدينة ستكون مدينة "نخبوية" أكثر من كونها حلاً لمشكلة الإسكان في الأردن، وربما تتحول إلى تحفة معمارية أو تكنولوجية تستهلك موارد الدولة على حساب المدن الأخرى.
من ناحية التوزيع السكاني، لا يتوقع عايش أن ينتقل إليها أكثر من (3–5٪) من سكان الأردن في مرحلتها الأولى، وربما أقل، علماً أن استكمالها قد يحتاج إلى عقدين ونصف عقد على الأقل. في المقابل، مدن مثل عمّان، إربد، والزرقاء، تحولت إلى مدن داخل مدينة وتعاني من ازدحام خانق، وارتفاع تكلفة المعيشة والإيجارات، وتراجع مستوى الخدمات، الأمر الذي جعلها في بعض الأحيان طاردة لسكانها.
ويشدد على أنه ليس ضد إنشاء هذه المدن، لكن يجب أن يكون هناك توازن واضح بين الإنفاق على بناء مدينة جديدة، وبين إصلاح الواقع الإداري والخدمي والعمراني في المدن القائمة، بحيث نمضي في خطين متوازيين يخدمان مصلحة الغالبية، لا قلة محدودة.
نبض