منصات الاستماع العربية تكبر بسرعة... والربحية تلوح في الأفق

تتسابق منصّات الاستماع العربية، مثل "أنغامي" و"بوديو"، للسيطرة على سوق المحتوى الصوتي في المنطقة، وسط توسع لافت في عدد المستخدمين والشراكات والعوائد، فيما لا يزال الربح هدفاً قيد التحقق. تُختبَر النماذج المالية لهذه المنصات يومياً تحت وطأة تكلفة تشغيلية عالية وسوق إعلانية مجزّأة. لكن المؤشرات الحالية تُظهِر أن هذه المنصات باتت على مشارف الوصول إلى معادلة استدامة مالية معقولة. وبحلول منتصف عام 2025، تبدو صناعة الاستماع في العالم العربي واقفة عند بداية تحول نوعي، إذ أصبحت فرص تحقيق الأرباح أكثر واقعية من أي وقت مضى.
في المقابل، تشير التقديرات إلى أن سوق الاستماع العالمية (موسيقى، بودكاست، كتب صوتية) ستحقق عام 2025 عوائد تتجاوز الـ 80 مليار دولار. تتوقع مؤسسة "غراند فيو ريسيرش" أن تصل عوائد خدمات بثّ الموسيقى مثل "سبوتيفاي" و"أبل ميوزك" و"أمازون ميوزك" و"يوتيوب ميوزك" إلى أكثر من 46 مليار دولار. أما سوق "البودكاست" (وفق منصة "ديماند ساج") فستولّد عوائد تتراوح ما بين 24 و38 مليار دولار. وستضيف الكتب الصوتية نحو 11 مليار دولار أخرى إلى هذه الصناعة.
أمام هذه الأرقام، تبدو المنصات العربية صغيرة لجهة العوائد، لكنها تؤدي دوراً استراتيجياً بتقديم محتوى مخصص للجمهور العربي.
تمثل شركة "أنغامي" النموذج الأوضح للاستثمارات العربية المباشرة في قطاع الاستماع الرقمي. في نيسان (أبريل) 2024، استحوذت مجموعة "أو إس إن" على 55,45% من أسهم "أنغامي"، لتصبح المستثمر المسيطر على الشركة، في صفقة قُدِّرت قيمتها بنحو 139 مليون دولار. لاحقاً، بين كانون الأول (ديسمبر) 2024 وتموز (يوليو) 2025، التزمت "أو إس إن" ضخّ تمويل إضافي يصل إلى 55 مليون دولار على شكل سندات قابلة للتحويل، وفق موقع "بانابي". أتاح هذا الاستثمار للمنصة توسيع مكتبتها من الفيديوات والموسيقى والبودكاست، وربطها بعروض اشتراكات موحدة للمستخدمين في المنطقة، ليعزز من قدرتها على تحسين عوائدها.
في عام 2024، حققت "أنغامي" نمواً لافتاً في الإيرادات، إذ قفزت عوائدها إلى 78,1 مليون دولار مقارنة بـ41,4 مليون دولار في 2023، بحسب تقارير "ماركت سكرينر". وشكّلت الاشتراكات المدفوعة نحو 90% من إيراداتها، فيما ارتفع متوسط العائد لكل مستخدم بنسبة 18%، وزادت نسب التفاعل مع المحتوى بنسبة 28% خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024. وعلى الرغم من أن صافي خسائرها بلغ 63,6 مليون دولار، سجلت الشركة أولى إشارات التعافي عبر تحقيق أرباح تشغيلية في النصف الثاني من العام، مما اعتُبِر مؤشراً واعداً على قرب تحقيق نقطة التعادل المالي في المستقبل القريب.
أما منصة "بوديو"، التي تتخذ من دبي مقراً لها، فصعدت كأهم مشروع ناشئ في قطاع البودكاست العربي، بدعم من مستثمرين عرب. في أيلول (سبتمبر) 2024، جمعت "بوديو" تمويلاً بقيمة 5,4 ملايين دولار من ضمن جولة قادتها "أوراسيا كابيتال" التابعة لسلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة، وشاركت فيها صناديق "ابتكار فاند" و"سيدار موندي فينتشرز" ومستثمرون من الإمارات ولبنان. هذه الجولة كانت محورية في تمكين "بوديو" من تطوير أدواتها للإعلانات وإطلاق خدمات تُمكِّن صانعي المحتوى من تحقيق الدخل.
بحلول أوائل 2025، باتت "بوديو" تضم شبكة من أكثر من 50 مليون مستمع، و100 ألف صانع محتوى، وفق موقع "نت إنفلونسر". وأظهرت المنصة نجاحاً ملحوظاً في تمكين صنّاع المحتوى من تحقيق الدخل، إذ أفادت مجموعة "إس إم سي" بأن بعض صُنّاع المحتوى على "بوديو" يحققون مداخيل تتجاوز الـ 100 ألف درهم إماراتي (27,230 دولاراً) شهرياً من الإعلانات والرعايات. وفي أيار (مايو) 2025، أبرمت "بوديو" شراكة حصرية مع "إس إم سي غروب" لإدارة الإعلانات، مما عزز من قدرتها على جذب العلامات التجارية وتنويع مصادر الدخل.
في المقابل، تواصل منصات مثل "صوت" في الأردن و"دندن" في مصر العمل في إطار مستقل يستند إلى التمويلات الثقافية والمنح، من دون الدخول في دورات استثمارية مشابهة.
لم يعد التحدّي الأكبر أمام هذه المنصات تحقيق الإيرادات بقدر ما أصبح كيفية تسريع التحول إلى نموذج ربحي مستدام. فالنمو في عدد المستخدمين وارتفاع نسب التفاعل بدأ ينعكس تدريجياً على العوائد، ولا سيما في ظل شراكات استراتيجية مع مستثمرين عرب يمتلكون رؤية بعيدة الأجل. ومع تزايد تركيز المعلنين المحليين على منصات المحتوى العربي، تلوح في الأفق فرص حقيقية لأن تصل "أنغامي" و"بوديو" إلى معادلة ربحية تدريجية في السنوات القليلة المقبلة.
استثمارات "أو إس إن" في "أنغامي" واستثمارات "أوراسيا كابيتال" في "بوديو" تعكس ثقة المؤسسات العربية بإمكانيات السوق المحلية. وإذا استمرت هذه المنصات في تطوير أدواتها وتحقيق تكامل بين الاشتراكات والإعلانات، فلن يعود الانتقال من مرحلة "النمو على حساب الربحية" إلى "النمو المستدام والمربح" مجرد رهان، بل سيصبح هدفاً قريب المنال وواقعياً.