"يوم التحرير" للرئيس ترامب: رهان محفوف بالمخاطر؟

كتب جوزيف عازار ، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار":
اليوم سيعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرئيس الـ 45 والـ 47 للولايات المتحدة، أن هذا اليوم سيشكل بداية فصل جديد لأميركا، أطلق عليه اسم "يوم التحرير" (Liberation Day). سيكون هذا اليوم الذي تُفرض فيه حواجز جمركية صارمة على كل دولة، بهدف إعادة ابتكار الاقتصاد الأميركي. لكن وراء هذا التصريح يبرز تساؤل أساسي: هل تُعد هذه المقاربة الحمائية استراتيجية ناجحة حقًا، أم أنها مجرد مناورة لتحسين صورة رئيس تسببت سياساته بالفعل في زعزعة النظام العالمي؟
لا يُخفي الرئيس الأميركي شغفه بالرسوم الجمركية، إذ يعتبرها ليس فقط أداة لإعادة التوازن الاقتصادي، بل أيضًا سلاحًا دبلوماسيًا.
آخر مثال على ذلك: تهديده بفرض ضرائب مشددة على النفط الروسي، تتراوح بين 25% و50%، إذا قامت موسكو بعرقلة الجهود الغربية لإنهاء الغزو في أوكرانيا. هل هو رهان محفوف بالمخاطر أم مجرد وعد؟ في وقت تتأرجح فيه الاقتصاديات العالمية بالفعل بسبب سياسات الحمائية (بل يتجاوز ذلك إلى التفكير التجاري المرتبط بالميركانتيلية)، تبقى الشكوك قائمة.
يستهدف مشروع "يوم التحرير" جذور النظام التجاري العالمي القائم منذ الحرب العالمية الثانية. فبضربة واحدة، يبدو أن ترامب يسعى إلى إلغاء عقود من الاتفاقيات متعددة الأطراف القائمة على مبدأ عدم التمييز، ليحل محلها مبدأ صارم للمعاملة بالمثل، حيث تُفرض ضرائب على كل دولة وفقًا لممارساتها التجارية. للوهلة الأولى، قد يبدو هذا تراجعًا بالنسبة للاقتصاد العالمي، خصوصًا في عصر الترابط الاقتصادي الحالي.
ومع ذلك، لا يغلق ترامب الباب بالكامل أمام التفاوض. فإذا حصل على تنازلات كبيرة من شركائه، فقد يُظهر بعض المرونة.
التدابير المطروحة طموحة: رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات، إضافة إلى الضرائب المفروضة مسبقًا على الصلب والألمنيوم، وقائمة واسعة من المنتجات الصينية. الهدف المعلن واضح: إعادة التصنيع إلى البلاد، خلق وظائف، واستعادة التوازن التجاري. لكن في الواقع، تحمل هذه الاستراتيجية العديد من المخاطر. إذ سترتفع أسعار المنتجات للمستهلكين الأميركيين، مما قد يضعف القدرة التنافسية للشركات المحلية، كما قد يرتفع التضخم بشكل كبير. وإذا كان ترامب لا يكترث بتأثير سياسته على أسعار السلع الاستهلاكية، فمن الصعب تصديق أن الناخبين الأميركيين سيتجاهلون هذه التداعيات الاقتصادية المباشرة.
ولتبرير هذه التدابير، تستشهد البيت الأبيض بمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، وهي حجج سمحت له بالتصرف بسرعة دون انتظار موافقة الكونغرس. لكن خلف هذه المبررات تكمن أيضًا رغبة في مواجهة العجز التجاري الهائل، الذي سجل رقماً قياسياً بلغ 1.2 تريليون دولار في عام 2024.
قد تعيد هذه السياسة رسم معالم التجارة العالمية. فقد تُجبر الصين، على سبيل المثال، على توجيه صادراتها نحو الاتحاد الأوروبي، مما قد يخلق ديناميكيات اقتصادية جديدة. ومن المفارقات أن ذلك قد يُسرع من انتشار التجارة الحرة، ولكن خارج الولايات المتحدة. وقد سارعت عدة دول، مثل فيتنام والاتحاد الأوروبي، إلى تعديل سياساتها التجارية لحماية نفسها من التأثيرات الجانبية لعزلة أمريكا الاقتصادية.
في هذا السياق العالمي المتشرذم، يتضح أن الحمائية التي يتبعها ترامب لن تعزز الاقتصاد الأميركي فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى بروز كتل تجارية جديدة، مما يعيد تشكيل التوازن الاقتصادي العالمي. ويبقى السؤال مطروحًا: هل تُعد هذه المقاربة الراديكالية استراتيجية حقيقية لاستعادة الهيمنة الاقتصادية، أم مجرد مقامرة قد تزيد من عزلة الولايات المتحدة على الساحة الدولية؟
إن "يوم التحرير" هذا ليس مجرد تغيير في السياسة الجمركية، بل قد يكون رمزًا لانفصال أعمق، ليس فقط عن الماضي التجاري للولايات المتحدة، بل عن عالم معولم يكافح لمواكبة الإيقاع الذي يفرضه ترامب في سعيه للانتقام الاقتصادي. وحتى الآن، يصعب التنبؤ بما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستشكل نقطة تحول أم ستُعتبر، على العكس، خطأً مكلفًا. سيخبرنا الزمن بذلك. لكن الشيء المؤكد هو أن تداعيات هذه القرارات ستتجاوز حدود الولايات المتحدة بكثير.