الفضة تحت المجهر بعد وصولها إلى أعلى مستوى في 12 عاماً: فهل يستمر ارتفاع الأسعار ؟

شهدت أسعار الفضة تقلبات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، متأثرة بعوامل اقتصادية عالمية مثل التضخم، أسعار الفائدة، وقوة الدولار الأميركي. في عام 2023، ارتفعت أسعار الفضة بسبب زيادة الطلب الصناعي والاستثمارات في المعادن النفيسة، لكنها واجهت تقلبات نتيجة سياسات الفيدرالي الأميركي وارتفاع العوائد على السندات.
خلال الأشهر الأخيرة من عام 2024، حققت الفضة مكاسب ملحوظة، حيث تجاوزت حاجز 30 دولاراً للأونصة، ووصلت إلى قرابة 35 دولاراً، وهو أعلى مستوى لها منذ 12 عاماً، قبل أن تتراجع بسرعة. وفقاً لفرح مراد، المحللة الأولى لأسواق المال في مجموعة إكويتي، في حديثها لـ"النهار"، بدا للوهلة الأولى أن الفضة تتبع خطى الذهب كملاذ آمن في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي، لكن نظرة أعمق تكشف أن المحرك الرئيسي لهذا الارتفاع كان الطلب الصناعي وليس الاستثماري.
أسباب زيادة الطلب على الفضة
أوضحت مراد أن "الطلب الصناعي على الفضة سجل مستوى قياسياً في عام 2024، إذ بلغ أكثر من 700 مليون أونصة، بزيادة 7% عن العام السابق، وفقاً لمعهد الفضة. وكان قطاع الطاقة الشمسية أبرز العوامل الداعمة للطلب، إذ تعتمد تقنياته بشكل كبير على الفضة. كذلك، ساهم التحول نحو المركبات الكهربائية في زيادة الاستهلاك، ما جعل الطلب الصناعي القوة الدافعة الرئيسية لارتفاع الأسعار، وليس مجرد الطلب الاستثماري أو استخدامها كملاذ آمن".
بالإضافة إلى الطلب المتزايد، تتابع مراد، "عانى سوق الفضة من عجز للعام الرابع على التوالي في 2024. فقد بلغ إجمالي الطلب 1.21 مليار أونصة، بينما ارتفع الإنتاج بنسبة 1% فقط ليصل إلى 837 مليون أونصة. هذا العجز المستمر ساعد في دعم الأسعار، رغم انخفاض الطلب الاستثماري بنسبة 15% إلى أدنى مستوياته في أربع سنوات، خاصة في الولايات المتحدة، حيث شهد تراجعاً حاداً بنسبة 40% بسبب غياب الأزمات الجديدة التي عادة ما تعزز الإقبال على المعدن".
تؤدي معدلات التضخم المرتفعة إلى زيادة الإقبال على الفضة كأداة تحوّط، خاصة عندما تنخفض قيمة العملات الورقية. كما أن قرارات الفيدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة تلعب دوراً مهماً في تحديد اتجاه أسعار الفضة، حيث يؤدي تخفيض الفائدة إلى تعزيز الطلب على المعادن الثمينة. كما أن الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية والصراعات في الشرق الأوسط، تزيد من جاذبية الفضة كأصل آمن، ما يدفع الأسعار نحو الارتفاع.
توقعات مستقبل أسعار الفضة
وفقاً للمحللة الأولى لأسواق المال في مجموعة إكويتي، فإن "النظرة المستقبلية للفضة تبدو مختلطة لكنها إيجابية على المدى الطويل. فمن جهة، يتوقع استمرار العجز في العرض، ما قد يوفر دعماً للأسعار. ومن جهة أخرى، يُرجح أن يواصل الاقتصاد الأخضر التوسع، ما يعني استمرار الطلب القوي على الفضة في الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية. حتى في حال تباطؤ النمو الاقتصادي، فإن التحول نحو هذه الصناعات يجعل الطلب على الفضة مستداماً".
لكن رغم هذه العوامل الداعمة، ترى مراد أن الفضة تحتاج إلى "محفز أكبر" لدفع الأسعار نحو ارتفاعات جديدة، سواء كان ذلك في شكل توسع صناعي أكبر أو تغييرات في السياسة النقدية. وبالتالي، من المحتمل أن تبقى الأسعار عند مستوياتها الحالية، مع احتمالية ارتفاعها إذا ظهرت تطورات جديدة تدعم الطلب أو تؤثر على المعروض.
في المحصلة، يُظهر أداء الفضة في الأسواق العالمية ديناميكية قوية مدفوعة بالاستخدامات الصناعية والاستثمارات في الملاذات الآمنة. مع استمرار التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، قد نشهد ارتفاعاً مستمرًا في أسعار الفضة خلال السنوات المقبلة، ما يجعلها خياراً استثمارياً جاذباً للعديد من المستثمرين. ومع ذلك، يبقى السوق مترقباً لأي محفزات جديدة قد تدفع الفضة إلى مستويات سعرية أعلى.