ضربت الجزر اليونانية في اليومين الأخيرين، سلسلة من الزلازل الخفيفة إلى المتوسطة وأصابت بدورها سكان جزيرة سانتورينى (Santorini) اليونانية السياحية بالذعر وغادرها نحو 9000 شخص، من إجمال 14 ألف شخص، خوفاً من زيادة قوة الزلازل أو حدوث نشاط بركاني، قد يستمر هذا النشاط أياماً عدة، الأمر الذي أثار العديد من المخاوف حول ثوران البركان الذي دمّر الحضارة المينوية القديمة قبل نحو 3600 عام وتسبب بحدوث تسونامي جديد، فما هي البلدان العربية الأكثر تضرراً إذا انفجر بركان سانتوريني، وكم يقدر حجم الخسائر المحتملة محلياً وعالمياً؟

يقول الدكتور عباس محمد شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، لـ"النهار" إن بين الزلازل المتوسطة التي ضربت الجزر اليونانية ثلاثة زلازل بقوة أكبر من 5 إلى 5.3 درجات على مقياس ريختر، وأكثر من 30 زلزالاً أكبر من 4 درجات، على عمق 10 كيلومترات، ومئات الزلازل أقل من 3 درجات.

يُعتبر بركان سانتوريني (Santorini Volcano)  أحد أشهر البراكين في العالم بسبب تأثيره التاريخي والجيولوجي الكبير، ويقع في أرخبيل سانتوريني التابع لجزر كيكلاديس في بحر إيجه جنوب شرق اليونان، وهو جزء من قوس بركاني ناتج من انزلاق الصفيحة الأفريقية تحت الصفيحة الأوروبية.

وأدى الانزلاق إلى تشكيل كالدرا سانتوريني (فوهة بركانية ضخمة) نتيجة انهيار البركان بعد ثورانات هائلة، أبرزها الثوران المينوي وهو أحد أكبر الثورات البركانية في التاريخ (1600 ق.م)، بلغ مؤشر الانفجار البركاني (VEI) 7 ، وتسبب بتسونامي مدمّر وصل إلى جزيرة كريت، وانبعاث كميات هائلة من الرماد والغازات، مما أثر على مناخ المنطقة، كما تسبب بدفن مستوطنة أكروتيري الأثرية (التي تُسمى أحيانًا "بومباي البحر المتوسط").

وتجدر الإشارة إلى أن البركان لا يزال نشطاً، مع ثورانات صغيرة مُسجلة آخرها عام 1950، كما توجد جزر صغيرة داخل الكالدرا مثل نيا كاميني وبالايا كاميني، تشكلت من الحمم البركانية، وتراقب المراكز العلمية اليونانية النشاط الزلزالي والغازات باستمرار. 

وأوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، أن النشاط الزلزالي الحالي ليس في المنطقة الفاصلة بين الصفيحة الأفريقية والأوروآسيوية كما هو معتاد يومياً بقوة من 3 – 4 درجات، بل في منطقة حزام البراكين، ومن هنا تأتي المخاوف من حدوث نشاط بركاني، إذ إن انزلاق الصفيحة الأفريقية أسفل الأوروآسيوية يتسبب بهبوط قاع البحر إلى أعماق كبيرة تزداد فيها درجة الحرارة، مما يؤدى إلى انصهار الصخور مكونة ماجما (صهارة)  تحاول الصعود إلى أعلى نتيجة كثافتها الأقل والضغط الكبير، بسبب زيادة الغازات في باطن الأرض، وتكونت خلال ملايين السنوات الماضية سلسلة من البراكين الموازية للخط الفاصل بين الصفيحتين، بعضها يعلو سطح البحر مكوناً بعض الجزر اليونانية.

واستبعد شراقي حدوث تسونامى مؤثر حالياً، إذ يحتاج إلى عوامل عدة أهمها زلازل قوية أكبر من 6.5 درجات وفق مقياس ريختر.

وحول تأثير الثوران المحتمل لبركان سانتوريني على مصر، يقول شراقي إن الزلازل تبعد نحو 700 كيلومتر عن محافظة الإسكندرية، مما يضعف تأثيرها على الأراضي المصرية وخصوصاً أنها بقوة متوسطة لم تتعد 5.3 درجات، وسطحية على عمق 10 كيلومترات مما يضعف انتشارها على مسافات كبيرة.

الدول العربية المتضررة من ثوران سانتوريني المحتمل

 في حال حدوث انفجار بركاني قوي في سانتوريني اليوم، فإن البلدان العربية التي قد تتأثر تشمل:

1. مصر

قد تتأثر السواحل الشمالية لمصر (الإسكندرية، مرسى مطروح، بورسعيد) من موجات تسونامي، إذا كان الانفجار البركاني كبيراً وأدى إلى انهيار كالديرا سانتوريني، ما قد يسبب أمواجاً عالية تضرب الشواطئ المصرية.

التأثيرات المناخية مثل انتشار الرماد البركاني يمكن أن تصل إلى مصر، ما قد يؤثر على جودة الهواء والمناخ المحلي.

2. ليبيا

بحكم موقعها على البحر المتوسط، يمكن أن تتأثر السواحل الليبية من أي تسونامي ناتج من الانفجار البركاني، وخصوصاً المدن مثل طرابلس وبنغازي، وقد يؤثر الرماد البركاني على المناخ المحلي ويؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة بشكل طفيف إذا كان الانفجار قوياً.

3. تونس والجزائر والمغرب

يمكن أن يتأثر بعض المناطق الساحلية في هذه الدول بموجات تسونامي، لكن بدرجة أقل مقارنة بمصر وليبيا بسبب بعدها النسبي عن مركز البركان، وقد يصل الرماد البركاني إلى أجزاء من هذه الدول، مما قد يؤثر على الطقس موقتاً.

4. دول الخليج والشام

من غير المرجح أن تتأثر دول الخليج العربي بشكل مباشر نظراً الى بعدها الكبير عن اليونان.

أما دول منطقة الشام (لبنان، سوريا، فلسطين، الأردن) فقد تتأثر بشكل طفيف إذا انتشر الرماد البركاني في الغلاف الجوي وتسبب بتغييرات مناخية موقتة، مثل انخفاض طفيف في درجات الحرارة أو اضطرابات جوية.

يقول ياسر غريب، المحلل المالي والخبير الاقتصادي، لـ" النهار" إن الخسائر الاقتصادية المحتملة في حال ثوران بركان سانتوريني تعتمد على عوامل عدة، مثل شدة الانفجار، ومدى انتشار الرماد البركاني، وحجم موجات التسونامي التي قد تحدث.

وتوقع غ أنه في حال كان الانفجار شديداً وأدى إلى تسونامي واسع النطاق وانتشار الرماد البركاني، فإن إجمال الخسائر قد يتجاوز 500 مليار دولار عالمياً، مما يجعله أحد أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة في العصر الحديث.

ويرى الخبير الاقتصادي أن الخسائر المباشرة في اليونان إذا كان الانفجار مشابهاً لثوران سانتوريني القديم قد تراوح بين 50 و100 مليار دولار بسبب تدمير البنية التحتية (مطارات، موانئ، طرق)، وتوقف السياحة (التي تشكل أكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي لليونان)، وإجلاء السكان من الجزر القريبة مما يؤدي إلى أكلاف لوجستية باهظة.

وبالنسبة الى خسائر الاقتصاد الأوروبي والدولي جراء ثوران بركان سانتوريني المحتمل، يقول غريب إذا انتشر الرماد البركاني في الغلاف الجوي وأثر على حركة الطيران، فقد تتكرر أزمة مشابهة لما حدث في 2010 عند ثوران بركان إيافيالايوكل في آيسلندا، مما قد يسفر عن شلل جزئي لحركة الطيران في أوروبا، مع خسائر تقدر بـ 5-10 مليارات دولار أسبوعياً لقطاع الطيران، وتعطل التجارة البحرية إذا تأثرت موانئ اليونان وإيطاليا وتركيا، واضطراب في سلاسل التوريد بسبب التأثير على الملاحة الجوية والبحرية، وعليه قد يراوح إجمال الخسائر في أوروبا بين 50 و200 مليار دولار.

وبالحديث عن التأثيرات المحتملة على الدول العربية، يرى أنه إذا حدث تسونامي قوي ناتج من انهيار كالديرا سانتوريني، فإن السواحل المصرية والليبية والتونسية قد تتضرر، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية تقدر بـ 5 الى 15 مليار دولار فيها بسبب تدمير المنشآت الساحلية مثل الموانئ والمناطق السياحية، وتوقف التجارة في البحر المتوسط لفترة قصيرة، وتأثر البنية التحتية بسبب الفيضانات الناجمة عن تسونامي.

وتأتي الخسائر الاقتصادية عالمياً بصورة اضطرابات في المناخ قد تؤثر على الإنتاج الزراعي، مما يرفع أسعار المواد الغذائية عالمياً، وتأثير على البورصات العالمية بسبب عدم اليقين الاقتصادي، مع احتمال انخفاض في مؤشرات الأسواق الأوروبية والعالمية موقتاً، وقد يتكبد العالم خسائر تتجاوز 200 الى 300 مليار دولار على المدى الطويل.