الاقتصاد السوري بعد سقوط الأسد إلى أين؟

بعد مرور 13 سنة من الصراع في سوريا، استيقظ العالم يوم الأحد 8 كانون الأول الجاري على نبأ سقوط بشار الأسد ولجوؤه إلى روسيا، وشهد مصرف سورية المركزي عمليات نهب، فيما شهدت الليرة السورية تقلبات شديدة، وتفاوتاً كبيراً في الأسعار بين المحافظات، فإلى أين تتجه بوصلة الاقتصاد السوري بعد سقوط الأسد؟
وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأشخاص يخرجون مسرعين من البنك المركزي السوري محملين بأكياس من النقود، كما ظهر محمد عصام هزيمة، حاكم مصرف سورية المركزي، في مقطع فيديو من داخل البنك، مؤكداً خلاله نهب بعض الأموال من المصرف حتى وصلت قوات المعارضة المسلحة ونجحوا في استعادة جزء منها وتأمين الوضع الأمني للبنك، فيما أكدت مصادر مُطلعة لرويترز استئناف عمل مصرف سوريا المركزي والمصارف التجارية يوم الثلاثاء 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
يقول حازم عوض، كبير المحررين في فورتشن العربية والمقيم في سوريا، إن مستقبل الليرة مرهون بعودة عمل المؤسسات وإنتاج النفط والقمح وعجلة الإنتاج بالكامل، وتراجع سعر الليرة بقوة إلى مستوى قياسي ليلة سقوط النظام وصلت إلى 40 ألف ليرة لكل دولار، واليوم انخفضت إلى حدود 20 ألف ليرة لكل دولار، وهناك بعض المحافظات يتم تداول الليرة بها في حدود 17 ألف ليرة لكل دولار، قائلاً إن عودة سعر الليرة لمستويات 200 أو 300 أو حتى ألف أو 3 آلاف ليرة لكل دولار مرهون بالواقع الاقتصادي الجديد.
وتوقع عوض أن الليرة السورية لن تستمر في التداول خلال الفترة الراهنة في ظل وجود حكومة جديدة؛ بسبب أن الليرة السورية مطبوع عليها صورة بشار الأسد فئة الألفين ليرة وصورة حافظ الأسد فئة الألف ليرة القديمة، "لذلك أعتقد ظهور فئات جديدة من الليرة بشكل جديد وبقيمة مختلفة".
ويقول عوض إن تحسن الاقتصاد السوري مرتبط بعامل الأمان، فعندما ارتفع التضخم حتى وصل سعر الليرة إلى 40 ألف ليرة كان مرتبط بعامل الخوف، ولما زال هذا الخوف انخفض سعر الدولار إلى مستوى ما بين 20 ألف إلى 17 ألف ليرة، متوقعاً أنه مع الاستقرار وتوفير عامل الأمان سيستقر سعر الصرف في حدود ما بين 14 ألف و15 ألف ليرة لكل دولار.
وحول عودة الاقتصاد السوري إلى نقطة الصفر (وهي معدلات ما قبل 2011) والتي يرى المحللون أنها تستغرق عقداً من الزمن، قال كبير المحررين في فورتشن العربية إنه صعب جداً الوصول لها حال عدم عودة إنتاج النفط والصادرات والقمح السوري للسوريين، إلا في حال تغيير الليرة السورية وحذف أصفار منها، في هذه الحالة قد يشعر السوريين بتحسن وبدء عودة الأمور إلى ما قبل 2011.
سعر الليرة السورية إلى أين؟
شهدت الليرة السورية تراجعات حادة منذ سقوط نظام بشار الأسد، حيث هبط سعر تداول الليرة السورية في السوق السوداء من 14.7 ألف ليرة لكل دولار واحد إلى مستوى 40 ألف ليرة لكل دولار، ثم ارتدت إلى ما يتراوح بين 17 ألف ليرة و22 ألف ليرة لكل دولار واحد حسب كل محافظة.
وفيما يتعلق بالسعر الرسمي للدولار في مصرف سوريا المركزي سجّل 13.7 ألف ليرة، مقابل 6 آلاف ليرة للدولار في نهاية عام 2022، حيث انخفض سعر الصرف الرسمي لليرة السورية بمقدار 270 ضعفاً مقابل الدولار الأميركي بين عامي 2011 و2023، ليصل إلى 12562 ليرة مقابل الدولار، بحسب البنك الدولي.
ومنذ عام 2020، فقدت الليرة السورية أكثر من 90 في المائة من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء، وعام 2023، سجل متوسط سعر السوق لليرة السورية انخفاضًا بنسبة 141 في المائة مقابل الدولار.
وتوقع رياض عبد الرؤوف، وزير المالية السوري، أن تكون معدلات نمو الاقتصاد جيدة خلال 2025، مشدداً على أن السياسة المالية يجب أن يتم وضعها لصالح الشعب السوري. وتوقع أن تقوم الحكومة السورية المقبلة بمراجعة جميع الاتفاقات.
فرصة تاريخية لبناء مستقبل مستقر
قال أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في تصريحات له يوم الأحد، إن الشعب السوري أمام فرصة تاريخية لبناء مستقبل مستقر بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي وصفه بـ"الديكتاتوري"، وأن مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري، و"مبعوثي الخاص غير بيدرسون سيعمل معه لتحقيقها".
وأظهرت الإحصاءات الرسمية انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 54% بين عامي 2010 و2021. ويتوقع البنك الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.5% العام الجاري، مع تراجع حاد في القوة الشرائية للسوريين في ظل غلاء الأسعار ونقص السلع الأساسية، كما توقع تقرير البنك الدولي بقاء الاستثمار الخاص ضعيفًا في ظل الوضع الأمني المتقلب وضبابية الوضع الاقتصادي والسياسي.
ويشير تقرير البنك الدولي إلى تأثر 69% من السكان بالفقر، ما يعادل نحو 14.5 مليون سوري وذلك خلال الفترة من 2010 حتى عام 2022، ويعاني أكثر من ربع السوريين من الفقر المدقع خلال عام 2022، وسط توقعات بارتفاع العدد خلال عامي 2023 و2024.
مصير النفط السوري
قال كريستوف روهل، الباحث البارز في سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا في نيويورك، في تصريحات لموقع ذا ناشونال إن التغييرات السياسية الأخيرة "لن يكون لها تأثير كبير على أسواق النفط، وذلك على وجه التحديد لأن السرعة التي حدثت بها تكشف عن هشاشة ذلك النظام وأن ما حدث كان متوقعا".
ويشهد قطاع الطاقة في سوريا حالة من الاضطراب منذ عام 2011، حيث انخفض إنتاج النفط والغاز الطبيعي بشكل كبير. وأظهرت بيانات حرق الغاز ليلاً انخفاض إنتاج النفط بنسبة 3.5% سنويا عام 2023، حيث بلغ متوسط الإنتاج نحو 91 ألف برميل يوميا في عام 2023، مقابل أكثر من 400 ألف برميل يوميا بين عامي 2008 و2010، وانخفض متوسط الإنتاج إلى أقل من 25 ألف برميل يوميا بحلول أيار (مايو) 2015، وفقاً لبيانات البنك الدولي وإدارة معلومات الطاقة الأميركية.