من الردع إلى الرقابة: تحوّل أدوات واشنطن بين "قيصر" والطوارئ

العالم العربي 12-10-2025 | 23:22

من الردع إلى الرقابة: تحوّل أدوات واشنطن بين "قيصر" والطوارئ

تغيّر سؤال المرحلة ولم يعد "هل نالت دمشق حق الرفع؟" بل "هل تحافظ دمشق على المعايير بعد الرفع؟"
من الردع إلى الرقابة: تحوّل أدوات واشنطن بين "قيصر" والطوارئ
الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في نيويورك.(أف ب)
Smaller Bigger

قرّر مجلس النواب الأميركي هذا العام حظر إدراج أي "ملحقات" خارجية في مشروع قانون الدفاع الوطني، بما في ذلك التعديلات ذات الطابع الخارجي مثل تمديد "قانون قيصر" أو إلغائه، وذلك لضمان إبقاء مشروع الدفاع ضمن مسار ضيّق يتفادى التعطيل الحزبي. مع ذلك، مضى مجلس الشيوخ في مساره الخاص وأقرّ نسخته من مشروع القانون تضمّنت مادة تنصّ على إلغاء "قيصر"، على أن يبدأ مفعول الإلغاء في 31 كانون الأول/ديسمبر 2025. 

 

جاء هذا التطور بعد أيام فقط على إعلان الرئيس الأميركي تجديد حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بسوريا، ما يُظهر أن واشنطن لم تُفرّط بأدوات الضغط، بل أعادت توزيعها بين السلطتين التشريعية والتنفيذية: إلغاء "قيصر" باعتباره أداة ردع جامدة، مقابل الإبقاء على صلاحيات الطوارئ أداة قابلة للتفعيل عند الحاجة.

 

في المسار التشريعي الأميركي، تُحال النسخ المختلفة من مشروع القانون عادةً على لجنة التوفيق المشتركة، حيث تُصاغ نسخة موحّدة تُعاد إلى المجلسين للتصويت عليها حزمة واحدة. وبذلك، فإن إدراج مادة إلغاء "قيصر" في نسخة مجلس الشيوخ لا يعني تجاوز مجلس النواب، بل يضعه أمام اختبار سياسي دقيق: هل يتمسّك بالانضباط الإجرائي الذي فرضه على نفسه، أو يقبل بمنطق الإلغاء المشروط كما صاغه مجلس الشيوخ؟

 

تبلور هذا التباين على امتداد الأشهر السابقة في مسارين متعاكسين: مبادرة في مجلس النواب لتشديد العقوبات توقّفت قبل الوصول إلى التصويت بسبب قرار حظر التعديلات الخارجية، وخطوة في مجلس الشيوخ لإدراج الإلغاء داخل مشروع الدفاع وربطه برقابة لاحقة. 

 

لم يكن الاختلاف في الأهداف بقدر ما كان انعكاسا لتحوّل المزاج داخل الكونغرس، حيث برزت ميول متنامية، وخصوصًا في مجلس الشيوخ، إلى استبدال العقوبة الجامدة بأداة نفوذ مرنة.

 

ما يكشفه هذا التباين هو أن الغاية لم تتبدّل، بل أعيد ترتيب الخطوات. ففي مقاربة التمديد التي طُرحت في مجلس النواب، صيغت الشروط بوصفها بوابة إلزامية قبل أيّ رفع للعقوبات، وهذا منطق ردعي مغلق. أما صياغة الإلغاء في مجلس الشيوخ فقلبت المعادلة: الرفع أولا، ثم الرقابة عبر تقارير دورية تُقاس فيها المؤشرات الملموسة. وبهذا الانقلاب في ترتيب الأدوات، تحوّل منطق العقوبات من ردعٍ مغلق إلى رقابةٍ قابلة للقياس، فانتقلت العلاقة بين واشنطن ودمشق من منطق النيات إلى منطق الأداء.

 

هذا التحوّل يعكس مزاجا براغماتيا آخذا في الترسّخ داخل المؤسسة التشريعية الأميركية: الميل إلى نفوذ مرن، قابل للعكس، تُحدّده البيانات والتقارير لا الشعارات. في المقابل، حافظ مجلس النواب على انضباط إجرائي أبقى مشروع الدفاع خالياً من الملحقات، وعملياً جمّد مسار التمديد داخل المجلس نفسه. أما خطوة مجلس الشيوخ فلم تتجاوز قاعدة مجلس النواب، بل نقلت النقاش إلى طاولة التوفيق حيث تُسوّى الصياغتان.

 

الأهم أن هذا التحوّل أعاد توزيع موازين القوة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية: الكونغرس يضبط الإيقاع عبر التقارير الدورية، فيما يحتفظ البيت الأبيض بصلاحيات الطوارئ بوصفها ضماناً نهائياً. هكذا لم تُسحب أدوات الضغط، بل أُعيد تموضعها بين المؤسستين.

 

إجرائياً، تبقى عقدة الحسم هي لجنة التوفيق بين المجلسين. فإذا حافظ المفاوضون على بنية "الرقابة اللاحقة بعد الرفع" كما وردت في صيغة مجلس الشيوخ، يكون الكونغرس قد انتقل من نموذج الردع إلى نموذج الإدارة من دون التفريط بأداة الإكراه. أمّا إذا أعادوا تثبيت الشروط المسبقة أو همّشوا الإلغاء، فسيعود الإطار إلى صيغته التقليدية مع تعديلات محتملة في الشكل لا الجوهر. 

في كلتا الحالتين، تغيّر سؤال المرحلة ولم يعد "هل نالت دمشق حق الرفع؟" بل "هل تحافظ دمشق على المعايير بعد الرفع؟"

 

وفي المحصلة، لا يُمكن توصيف ما حدث بأنه تقدّم أو تراجع، بل هو تعديل تشريعي يُعيد ضبط أدوات العقوبات ضمن إطار رقابي مرن، يُراعي التحولات السياسية والأمنية من دون أن يُفرّط بأدوات الردع".

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/12/2025 1:32:00 AM
نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين، أن 3 دبلوماسيين قطريين توفوا بحادث في مدينة شرم الشيخ في مصر
المشرق-العربي 10/11/2025 1:12:00 PM
على الرغم من السرّية الشديدة التي تُحيط بمخبأ الأسد الخفي، تمكّن فريق الصحيفة الألمانية من دخول المبنى نفسه والتقوا هناك بوكيلة عقارات محلية عرّفت عن نفسها باسم مستعار هو ناتاشا.
دوليات 10/12/2025 6:57:00 PM
في مقطع فيديو نشره على منصة "إكس"، خاطب غيلر ترامب بالقول: "أرجوك يا دونالد، لا تذهب إلى شرم الشيخ. لديّ شعور قوي بأن حياتك في خطر".