تطور ميداني بارز في السودان... الجيش يتقدم في الجزيرة في غياب البرهان

في تطور ميداني بارز، تمكن الجيش السوداني وفصائل حليفة من استعادة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، بعد أشهر من كرّ وفر ّوتعثر متكرر، فيما رسمت المفارقات مشهداً معقداً، مع تراجع "قوات الدعم السريع" بشكل مفاجئ وبروز دور بارز لقيادي منشق عنها، في حين يواصل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان جولته الأفريقية.
تقدم سريع ومقاومة محدودة
وأفاد متابعون للمجريات العسكرية "النهار" بأن تقدماً متسارعاً سجله الجيش خلال الأيام الماضية على ثلاثة محاور باتجاه مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة. والمحاور هي: الجهة الجنوبية عبر ولاية سنار، وشرقاً من القضارف، وغرباً من محور بلدة المناقل. وهي النقطة الوحيدة التي كانت بقيت في قبضة الجيش السوداني بعد اقتحام الدعم السريع الولاية في كانون الأول / ديسمبر 2023.
نقطة الفصل في المواجهات كانت عبور جسر حنتوب على النيل الأزرق، الواصل بدوره إلى ود مدني، لتدخل قوات الحكومة، ومعها مجموعة "درع السودان" التي يقودها الضابط المنشق عن الدعم السريع أبو عاقلة كيكل، من دون مقاومة تذكر. والمفارقة أن الرجل ذاته كان قبل عام تقريباً على رأس عناصر الدعم الذين هاجموا الولاية، وسط استياء شعبي آنذاك من الانسحاب المفاجئ للجيش، لاسيما من قيادة الفرقة الأولى، وهي الحامية الأساسية للولاية وود مدني.
ومع إقرار قائد "الدعم السريع" بهزيمته في المدينة، تتجه الأنظار إلى مناطق الكاملين والحصاحيصا، أقصى الشمال، حيث يتحصن من تبقى من عناصر الدعم، وسط تصعيد كلامي لاستعادة الولاية التي تتوسط السودان وترتبط شمالاً بالعاصمة الخرطوم، وجنوباً بولاية سنار وشرقاً بولاية القضارف، وبالنيل الأبيض غرباً.
تأثير استعادة ود مدني على الخرطوم
وكان لافتاً، وبالتزامن مع استعادة الجيش ثاني أكبر المدن السودانية، إعلانه التقدم على محورين: الأول هو في جبال البكاش، قرب مصفاة الجيلي النفطية في مدينة بحري شمال الخرطوم، والثاني استعادته سلسلة أبنية عالية في العاصمة، وتحديداً شمال غربي بحري. وهو ما يعني وصول المعارك إلى وسط المواقع التي لا تزال في قبضة "الدعم السريع" ضمن المدينة الواقعة على الضفة الشرقية للنيل. وفي هذا السياق، يشير الخبير العسكري سالم فضل الله الطيب إلى أهمية الربط الميداني بين كل ما يجري، إذ إن تمركز الجيش في ولاية الجزيرة يعني تضييق الخناق على عناصر الدعم بين شمال الولاية ومقر سلاح المدرعات جنوب الخرطوم. ويشرح لـ"النهار": "يمكن لسلاح المدرعات التحرك بسهولة أكبر، والتقدم شمالاً باتجاه قلب العاصمة، لاسيما المقر، بالتزامن مع تعزيز الجيش خطوطه الخلفية وممرات الجسور مع بحري وأم درمان. وبالتالي، لا يعود الكلام عن فك الحصار عن القيادة العامة مجرد خطط، بل ستجد طريقها للتنفيذ".
أما المحلل الميداني عبد الرزاق ود أحمد فيقول لـ"النهار" إن احتدام المواجهات في الخرطوم بات مرجحاً، بسبب تعزيز دفاعات الجيش في الولاية ومحيطها. مضيفاً: "خطوط الإمداد أصبحت مؤمنة من سنار والنيل الأزرق والقضارف. ومع السيطرة على جبل البكاش الذي يعد مخزناً عسكرياً يؤمن الحماية لمصفاة الجيلي، فإن تقدماً إضافياً سيسجل من بحري شمالاً إلى الجسور الواصلة إلى وسط الخرطوم، من دون القلق من معارك مستجدة من جهة الجزيرة".
سر غياب البرهان
ولعل المفارقة الإضافية للمشهد السوداني تتمثل في غياب قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان عن التطورات العسكرية الأخيرة. ففيما وصل مساعده الفريق شمس الدين كباشي إلى قيادة الفرقة الأولى في مدني، كان هو يواصل جولته في غرب أفريقيا التي تقوده إلى مالي وغينيا بيساو وسيراليون والسنغال وموريتانيا. ومن المقرر أن تكون نواكشوط محطته الأخيرة قبل العودة إلى بورتسودان الثلاثاء المقبل. وتقول مصادر سودانية متابعة لـ"النهار" إن الجولة تستهدف إعادة التواصل مع البلدان الأفريقية، عشية تجديد اجتماعات الاتحاد الأفريقي، وإمكان إعادة عضوية السودان المجمدة منذ 2021. وتكتسب زيارة سيراليون أهمية مضاعفة، بحكم عضويتها في مجلس الأمن، وصوغها مشروع قرار أخيراً لحماية المدنيين عرقلت روسيا صدوره. أما مالي، التي سبق أن زارها كباشي الصيف الفائت، فتتركز المباحثات فيها على مصير المرتزقة العابرين للحدود.