الذكاء الاصطناعي وتعطّل المهارات: ماذا يخسر الطالب حين يعتمد على التمويه؟

الذكاء الاصطناعي وتعطّل المهارات: ماذا يخسر الطالب حين يعتمد على التمويه؟

ميزة المحادثات الجماعية في "شات جي بي تي" تعزز التعاون، تسهّل التخطيط، وتدعم فرق العمل بذكاء اصطناعي.
الذكاء الاصطناعي وتعطّل المهارات: ماذا يخسر الطالب حين يعتمد على التمويه؟
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

* منى صوان

يشهد المشهد التعليمي في السنوات الأخيرة تحوّلاً جذرياً بفعل الانتشار الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة الطالب اليومية. فهذه الأدوات لم تعد تقتصر على توليد الأفكار أو تلخيص المصادر، بل امتد استخدامها ليشمل صياغة الواجبات، واقتراح البحوث، بل ومحاولة محاكاة الأسلوب البشري في الكتابة. ومع ظهور أدوات مثل   Humanize     المصمّمة  لتحويل النصوص المنتَجة آلياً إلى نصوص "شبيهة بالبشر"، برزت أسئلة ملحّة حول جدوى هذا التوجه وتأثيره على العملية التعليمية.

 

أولاً: أدوات الكشف بين عدم اليقين وتعقيد التقييم
تقرّ منصّات أكاديمية عالمية، من بينها  Turnitin، بأن أنظمة كشف الذكاء الاصطناعي لا تزال تعاني من نسبة خطأ مرتفعة، ما يؤدي أحياناً إلى اتهام نصوص بشرية بأنها مصنوعة بواسطة الذكاء الاصطناعي. وينتج عن ذلك ثلاثة إشكالات رئيسية:

إمكانية ظلم الطالب عبر تقييم غير دقيق،
إرباك المعلّم الذي يُطلب منه اتخاذ قرار بناءً على مؤشرات غير موثوقة،
وتشويه العملية التعليمية نتيجة غياب معيار ثابت يمكن الاتّكاء عليه.
ومع ذلك، فإن اعتماد بعض الطلاب على نصوص جاهزة من الذكاء الاصطناعي دون أي جهد شخصي يخلق أزمة موازية ذات آثار تربوية خطيرة، تؤثر في مهارات التفكير والكتابة لديهم.


ثانياً: الدوافع وراء اللجوء إلى أدوات التمويه


يلجأ الطلاب إلى أدوات مثل Humanize  لأسباب متشابكة، أبرزها:
1. الخوف من الاتهام باستخدام الذكاء الاصطناعي
إذ يخشى الطالب من الحصول على "صفر مفاجئ"، فيستسهل أدوات التمويه بدلاً من بناء مهاراته الحقيقية.
2. ضغط الوقت وتفضيل الطريق المختصرة
تمنح أدوات الذكاء الاصطناعي نصوصاً فورية، تجعل اللجوء إليها بديلاً سريعاً عن الجهد الذاتي.
3. غياب التوعية بالحدود الأخلاقية للاستخدام.

يجهل الكثير من الطلاب الفرق بين الاستخدام المسموح تربوياً وبين الغش الأكاديمي، فيظنون أن إعادة الصياغة ثم تمرير النص عبر أدوات التمويه حل مقبول، في حين أنه قد يعمّق المشكلات الأكاديمية والأخلاقية.

 

ثالثاً: حدود "التمويه" وقدرته على خلق معرفة
حتى في حال نجح النص المموّه في تخفيض مؤشر الكشف، فإن الخطر الحقيقي يكمن في أن الطالب:

لا يتعلم فعلياً.
لا يطوّر مهارات بحث أو كتابة.
لا يمتلك رأياً أو أسلوباً يمكن الدفاع عنه.
لا يكتسب خبرة تراكمية تمكّنه أكاديمياً في المستقبل.

 

إن "تخفيف المؤشر" هدف تقني محدود، بينما الكتابة عملية معرفية وجمالية لا يمكن اختزالها في تجاوز خوارزمية. فالطالب الذي يتقن أدوات التمويه فقط لا يصبح كاتباً أفضل، بل مستخدماً أكثر مهارة في الالتفاف على الأنظمة.

 

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

 

 

رابعاً: نحو فهم تربوي للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي
لا يكمن الحل في الهروب من أنظمة الكشف، بل في إعادة بناء تصوّر تربوي واضح لكيفية استخدام هذه الأدوات. ويبدأ ذلك من المدرسة والجامعة عبر تعليم الطلاب توظيف الذكاء الاصطناعي كمستشار يساعد في:
توليد الأفكار
تحليل المواضيع
فهم المفاهيم الصعبة
تقديم أمثلة توضيحية
وتنظيم خطة الكتابة

أما الكتابة النهائية، فيجب أن تعكس صوت الطالب ووجهة نظره وتجربته الشخصية وقدرته على تحليل المعلومات وربطها بخبراته. فهذا وحده ما يجعل النص "بشرياً" بمعناه الحقيقي، وليس مجرد نصّ معدّل ليتجاوز خوارزمية كشف.

إن التحدي الحقيقي في عصر الذكاء الاصطناعي ليس مواجهة التقنية، بل فهم كيفية استخدامها بوعي ومسؤولية. وعلى الأسرة والمدرسة والجامعة الانتقال من ثقافة الخوف من الكشف إلى ثقافة الاستخدام الأخلاقي، بحيث يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة تعلّم، لا وسيلة للاختباء.

قد تنجح أدوات مثل Humanize  في خداع الخوارزميات، لكنها تعجز عن بناء طالب مفكّر يمتلك مهارات تحليل وابتكار. أمّا التعليم الجيد، فهو الذي يتيح للطالب أن يستخدم التكنولوجيا بثقة ووعي، لا أن يخشاها أو يختبئ خلفها.

 

* باحثة ومتخصّصة في القيادة التربوية والذكاء الاصطناعي في التعليم

الأكثر قراءة

ايران 11/26/2025 12:07:00 AM
أفادت وسائل إعلام إيرانية غير رسمية بسماع تحليق طائرات حربية مجهولة فوق غرب البلاد، بالتزامن مع تفعيل محدود للدفاعات الجوية
لبنان 11/26/2025 2:32:00 PM
وجّه الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، رسالة إلى "التعبويين المجاهدين" ‏في "يوم التعبئة" السنوي
لبنان 11/26/2025 3:37:00 PM
من خلال الكشف الذي أجرته شعبة المعلومات، تبيّن أن أفراد العصابة أحدثوا فجوة في الجدار الخلفي للمحل من جهة منزل مهجور، وتمكّنوا عبرها من الوصول إلى متخت المتجر.
لبنان 11/26/2025 5:55:00 PM
تمّ تعديل التعاميم بحيث تمّ السماح للموسسات الفردية والجمعيات المرخصة من المراجع المختصة (خيرية أو دينية) الإفادة من التعميمين.