الذكاء الاصطناعي في الحقائب الوزارية: معضلة المساءلة

تجربة ألبانيا بتعيين وزير ذكاء اصطناعي تكشف تحديات المسؤولية القانونية والسياسية وتدعو لتشريعات جديدة.
الذكاء الاصطناعي في الحقائب الوزارية: معضلة المساءلة
Diella، أول وزير ذكاء اصطناعي في ألبانيا
Smaller Bigger

*د. إسلام محمد سرور 

شهد العالم في أيلول /سبتمبر 2025 حدثاً غير مسبوق، تمثل بإعلان ألبانيا تعيين أول وزير بالذكاء الاصطناعي تحت اسم "دييلا – Diella"، ليتولى حقيبة إدارة المشتريات العامة. جاءت هذه الخطوة في إطار مسعى تنظيمي للحد من الفساد وتعزيز الشفافية داخل الجهاز الحكومي.

 

ورغم ما حظي به القرار من اهتمام واسع على المستويين التقني والسياسي، فإنه أثار في الوقت ذاته نقاشاً عميقاً حول مفهوم المسؤولية السياسية والقانونية عند ارتكاب هذا "الوزير الافتراضيّ" أخطاء إدارية أو مرفقيّة. فهل يمكن مساءلة وزير من الذكاء الاصطناعي أمام البرلمان؟ ومن يتحمل المسؤولية إذا تضرر المرفق العام أو الأفراد جراء قراراته؟

 

 

ماهية الخطأ الإداري والمرفقي
في الفقه والقضاء، يُعرّف الخطأ الإداري بأنه كلّ انحراف في عمل الإدارة عن القواعد القانونية أو المبادئ العامة للوظيفة العامة، بما يسبب ضررًا للأفراد أو المصلحة العامة. أما الخطأ المرفقي، فهو المرتبط بسير المرفق العام ذاته، مثل سوء التنظيم أو الإخلال بواجب الاستمرارية أو الكفاءة.

 

 

وفي كلا الحالتين، يظل الوزير أو الجهة الإدارية مسؤولين عن هذه الأخطاء أمام البرلمان والقانون، سواء باعتبارهم أشخاصاً طبيعيين أو معنويين. وهنا تبرز المعضلة: الذكاء الاصطناعي ليس شخصًا طبيعيًا يمكن محاسبته، ولا شخصًا معنويًا له ذمة مالية أو شخصية اعتبارية تسمح بمقاضاته.

 

 

صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي

 

 

 

معضلة المسؤولية السياسية
إسناد منصب وزاري، ذي طبيعة سياسية وقانونية، إلى أداة تقنية يطرح إشكالية محورية: من يتحمل المسؤولية إذا أصدرت "دييلا" قراراً إدارياً خاطئاً؟ وهل يمكن للبرلمان أن يستجوب خوارزمية كما يستجوب وزيراً بشرياً؟

 

في الأنظمة الديمقراطية، الوزير مسؤول أمام البرلمان عن كل ما يصدر عن وزارته. فإذا وقع خطأ، يحق للبرلمان مساءلته واستجوابه، وربما سحب الثقة منه. أما الوزير الافتراضي، فإن مساءلته المباشرة تبدو شبه مستحيلة، لتنتقل المسؤولية عمليًا إلى رئيس الوزراء أو الجهة التي فوضت الذكاء الاصطناعي ممارسة الصلاحيات.

 

 

المسؤولية القانونية والتقنية
من الناحية القانونية، البرلمان لا يمكنه مساءلة برنامج، بل يسائل من منحه الشرعية وأشرف على عمله. وبالتالي، تتحمل الحكومة المسؤولية السياسية، بينما تظل الدولة مسؤولة مدنياً عن أي ضرر يلحق الأفراد أو المصلحة العامة نتيجة قرارات المرافق العامة، سواء الصادرة عن موظف بشري أو نظام آلي.

 

 

لكن السؤال يظل مطروحاً: هل يمكن تحميل شركات التكنولوجيا أو فرق البرمجة مسؤولية غير مباشرة إذا كان الخطأ تقنيًا؟ هنا تتقاطع القضية مع الفقه الدستوري، لأن الوزير ليس مجرد مدير مرفق، بل يمثل حلقة وصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومساءلته أمام البرلمان ركن أصيل في النظام الديمقراطي.

 

نحو إطار تشريعي جديد

لمواجهة هذه الإشكالية، يمكن تصور عدة حلول:
1. المساءلة غير المباشرة عبر تحميل رئيس الحكومة المسؤولية السياسية الكاملة.
2. إنشاء هيئة إشرافية مستقلة تراجع وتدقق قرارات النظام لضمان الحياد والشفافية.
3. تحديد المسؤولية التقنية بمساءلة المطورين أو الشركات عند وقوع خلل برمجي جسيم.
4. وضع إطار تشريعي جديد ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في المرافق العامة، ويحدد بوضوح حدود المسؤولية السياسية والقانونية.

 

إن تجربة ألبانيا في تعيين أول وزير بالذكاء الاصطناعي تمثل محطة فارقة في علاقة التكنولوجيا بالسياسة. ورغم أن الخطوة تبدو منسجمة مع تسارع التطورات التقنية، فإنها تكشف عن ثغرات خطيرة في منظومة المسؤولية والمساءلة الديمقراطية.

 

فالذكاء الاصطناعي – مهما بلغت قدراته – يظل أداة بلا مسؤولية سياسية أو أخلاقية، وإدماجه في المرافق العامة يستوجب من الفقهاء والمشرعين إعادة النظر في مفاهيم الخطأ الإداري، الخطأ المرفقي، والمسؤولية الوزارية، مع طرح تساؤل جوهري:

هل نحن أمام مجرد تطوير لأدوات الإدارة، أم بصدد إعادة صياغة كاملة لمفهوم المرفق العام في عصر الخوارزميات؟

 

*المستشار القانوني والاجتماعي والخبير في القانون الدولي، والباحث في تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟