من الحقوق الرقميّة إلى حوكمة الإنترنت: "خبز ونت" يعود إلى بيروت
بعد توقّفٍ قسري دام عامين، يعود ملتقى "خبز ونت" هذا العام إلى الانعقاد حضورياً في بيروت، جامعاً ناشطين وتقنيين وصحافيين وصنّاع سياسات من المنطقة الناطقة بالعربية وخارجها، لمناقشة الحقوق الرقمية والعدالة الاجتماعية في عالم تزداد فيه التكنولوجيا حضوراً وتأثيراً على تفاصيل الحياة اليومية.
تنظّم الملتقى سنوياً منظمةُ "سمكس" المختصة بالحقوق الرقمية. ويهدف "خبز ونت" إلى خلق مساحة تعاونية للتعلّم، وبناء شبكات تضامن، ووضع استراتيجيات لمواجهة التحديات التقنية والسياسية التي تعصف بالفضاء الرقمي.

مساحة ملهمة على صعيد المنطقة
خلال تغطية "النهار"، يصف عبد قطايا، مدير برنامج الإعلام في منظمة "سمكس" ومدير مشروع حوكمة الإنترنت، الملتقى بأنه محطة إقليمية بارزة تتجاوز الإطار المحلي اللبناني لمناقشة التحديات المتزايدة في مجال الحقوق الرقمية، ولا سيما في ظل اتساع نفوذ الشركات التكنولوجية الكبرى وتورط بعضها في ممارسات تمسّ الحقوق الأساسية.
ويشير قطايا إلى أن اللقاء يشكّل مساحة سنوية لمراجعة أبرز الأحداث والانتهاكات الرقمية التي شهدتها السنوات الأخيرة، ومتابعة التحولات في المفاهيم والسياسات في المجال.
ويلفت إلى أن النقاشات تشمل أيضاً قضايا حوكمة الإنترنت والاتصالات، إذ لا تزال المنطقة تفتقر إلى تطبيق الممارسات الفضلى المتبعة عالمياً، في ظل تفاوت كبير بين الدول: فبعضها يملك قوانين تضمن حرية التعبير لكنها تبقى حبراً على ورق، وأخرى تشرّع قوانين متقدمة لكنها مليئة بالاستثناءات التي تمنح السلطات حق الوصول إلى البيانات، فيما تمارس دول أخرى سياسات قمعية بالكامل.
ولا تقتصر أهمية الحدث، بحسب قطايا، على تبادل التحديات، بل تمتد إلى مشاركة قصص النجاح والتجارب الملهمة، وتبادل الخبرات حول الأدوات التقنية، إضافة إلى مناقشة التقنيات الناشئة من منظور السياسات العامة وصون الخصوصية وتعزيز وعي المستخدمين بحقوقهم ومطالبهم من الشركات والدول.
ويشدد على الدور المحوري للمجتمع المدني في مجال الحوكمة والمساءلة والمطالبة. ويرى أن الحدث يسهم في بناء شبكات تعاون بين منظمات المجتمع المدني والشركات والجهات الإقليمية والدولية، ما يتيح تفاعلاً وتعلّماً مستمرَّين طوال العام، وليس فقط خلال فترة الفعالية، وهو ما يشكل تجربة تعليمية وتفاعلية غنية على المستويين الفردي والجماعي.
التعلم والتشبيك في قلب التجربة
أما زينب إسماعيل، صحافية ومحرّرة في منظمة "سمكس"، فترى أن عودة الملتقى حضورياً هذا العام تلبّي حاجة مجتمعية ملحّة للتفاعل الواقعي.
وفي حديث "للنهار"، تعلق: "في السنوات السابقة اضطررنا لعقد الملتقى عبر الإنترنت بسبب الظروف الأمنية والإقليمية، لكن القيمة الحقيقية تكمن في اللقاءات الوجاهية التي تتيح تبادل الخبرات مباشرةً وبناء التحالفات الجديدة".
وتشير إسماعيل إلى أن "خبز ونت" يضم مشاركين من خلفيات متعددة، من محامين وقضاة وأكاديميين وصحافيين، إلى تقنيين وصنّاع سياسات، ما يمنحه تنوعاً فكرياً يثري النقاشات ويتيح مقاربات مختلفة لفهم العلاقة بين التكنولوجيا وحقوق الإنسان.
وتلفت إلى الدور الذي تؤديه منصة دعم السلامة الرقمية التابعة لـ"سمكس" التي تقدّم المساعدة للصحافيين والناشطين الذين يتعرضون للتهديدات الرقمية، من اختراقات وتنمّر وابتزاز، موضحةً أن الفريق يصدر تقارير دورية حول التهديدات الرقمية في العالم العربي لتوثيق الحالات وتحليل الاتجاهات.
حوار يتجاوز التقنية إلى الإنسان
في عالمٍ تسوده الخوارزميات والمراقبة والذكاء الاصطناعي، يذكّر الملتقى بأن التكنولوجيا ليست مجرّد أدوات، بل قضية إنسانية مرتبطة بالإنسان والحرية والمساءلة. فكما يقول المنظمون، الهدف ليس فقط مناقشة المخاطر، بل تخيّل مستقبلٍ رقمي أكثر عدلاً وإنصافاً، حيث يتمتع المستخدمون بحقوقهم كاملة في فضاء مفتوح وآمن.
نبض