الهاتف الذكي في المدرسة أداة تعليميّة إن أحسنّا ضبطه!

يقول الدكتور يوسف عصفور، رئيس الابتكار والتحول في الجامعة الأميركية في بيروت، لـ"النهار" إن الهواتف الذكية أصبحت واقعاً لا يمكن تجاهله في حياة التلميذ اليومية، "وخطأ النظر إليها كعامل مُشتِّت. فإذا أحسنت المدارس توظيفها، أمكن لها أن تتحول مختبراً تعليمياً متنقلاً يتيح لهم الوصول إلى مصادر المعرفة لحظة بلحظة، ويعزّز قدرتهم على ممارسة التفكير النقدي، والتعاون عبر تطبيقات وأدوات تفاعلية". فالعالم الأكاديمي نفسه يسير في اتجاه التعلّم من خلال شاشات الهواتف الذكية، وصارت معظم الدورات الرقمية العالمية اليوم تُصمَّم وفق مبدأ ؛mobile-first وهذا يعني أن المدرسة التي تحسن توظيف الهواتف الذكية في الفصول الدراسية تهيّئ طلابها منذ الآن للتعلّم المستقبليّ في بيئة رقمية متنقّلة".
تؤيده الدكتورة رنا حطيط، الباحثة المتخصّصة في تكنولوجيا التعليم، قائلة لـ"النهار" إن التركيز على سلبيّات استخدام الهاتف الذكيّ في المدرسة "يجعلنا نتجاهل الفوائد المحتملة كالوصول الفوري إلى المعلومات والمراجع الرقمية وتعزيز مهارات البحث الذاتي وحلّ المشكلات، إضافة إلى تطبيق التعليم المدمج (Blended Learning) الّذي يجمع ما بين الدرس التقليدي والتقنيات الحديثة".
الهواتف في الفصول الدراسية
أدوات تعليمية ذكية: إنها أجهزة تعليمية متنقلة، يمكن عبرها تسجيل الملاحظات وتصوير الأعمال أو استخدام تطبيقات تفاعلية.
مصدر فوري للمعلومة: يستطيع التلميذ البحث فوراً عن أي معلومة، بدلاً من الاعتماد على المصادر التقليدية وحدها.
أداة للتعاون والعمل الجماعي: تطبيقات مثل Google Docsسهّلت تبادل الأفكار وسير العملية التعليمية، مما يجعل عملية التعلّم أكثر تفاعلية وشفافية. ومنصات مثل سلاك تتيح للطلاب تبادل الأفكار، ومشاركة الموارد، وتقسيم المهام للمشاريع الجماعية.
أداة سلامة وتواصل مع الأهل: كثير من الأهل يرفضون الحظر الشامل لأنهم يعتمدون على الهاتف كوسيلة للتواصل مع أبنائهم في الحالات الطارئة.
أداة لتنمية المهارات الرقمية: الاعتماد على التكنولوجيا في داخل الصف يمهّد الطلاب لمستقبل رقمي يتطلب هذه المهارات.
ماذا عن أبرز المحاذير؟
تشتيت الانتباه: أكثر من 70% من معلّمي الثانويات يعتبرون الهواتف مصدر تشتيت كبيراً في داخل الصفوف (Pew Research، 2024).
تنمّر إلكتروني: رصدت أكثر من 8,5 ملايين حالة تنمّر إلكتروني على Google Docs منذ 2019، إضافة إلى أكثر من 500 ألف حالة على Teams (Park، تموز/يوليو 2025).
الاعتماد المفرط: استخدام الشاشات لفترات طويلة يؤخر النوم، ويضعف النشاط البدني، ويعطّل التواصل الواقعي.
ورغم أن 70% من الأهالي يؤيّدون منع الهواتف في داخل الفصول الدراسية، يرى أكثر من 50% منهم أن من العدل السماح باستخدامها أحياناً خلال الاستراحة أو وقت الغداء، وفقاً لاستطلاع أجراه الاتحاد الوطني للأهالي في الولايات المتحدة.
لمواجهة العقبات في المجال، لفت عصفور إلى مجموعة من الاستراتيجيات العملية:
- إطار سياسات واضح يحدّد متى وكيف يُستخدم الهاتف في الفصل.
- برامج تدريب للمعلّمين لتصميم أنشطة صفيّة تستخدم الهواتف بطرق هادفة (مثل التجارب الافتراضية، استطلاعات الرأي الفورية، إنتاج محتوى رقميّ قصير).
- مبادرات لردم الفجوة الرقمية عبر شراكات أو مبادرات مجتمعية لتوفير أجهزة أو باقات إنترنت بأسعار مدعومة.
- ثقافة المسؤولية الرقمية عبر إدماج قيم أخلاقيات الاستخدام، إدارة الوقت، والوعي بالمخاطر الرقمية ضمن المناهج.
وأوضحت حطيط أن "الدمج التربوي المنظَّم، الذي يُعد خياراً متوازناً، يقوم على إدماج الهاتف في العملية التعليمية ضمن خطط مدروسة وأنشطة رقمية هادفة، وهو الخيار الذي يعتبره الكثير من التربويين الأنسب، إذ يُعزز وعي الطلاب بالاستخدام المسؤول بدلاً من الاكتفاء بالمنع الذي قد يدفعهم إلى استخدامه خفية".
وتختم: "إننا أمام فرصة لإعادة تعريف العلاقة بين الطالب والأداة الرقمية، بعيداً عن المنع الصارم أو الفوضى العشوائية، فسياسة الدمج المنظَّم ليست رفاهية، بل ضرورة تعليمية توازن بين الانضباط والاستفادة".
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع المدارس فرض سياسات تجعل التكنولوجيا تخدم التعليم بدلاً من أن تُضعفه؟