كتاب أو "تابليت"؟ هذا هو السؤال المحير اليوم. فالعالم مقسوم بين متمسك بكتاب تربوي ورقي آمن ويمكن مراقبته، وبين من يرفع لواء التعليم الرقمي الجديد، بلا قيود الورق. في خضم هذا الجدال، يعترف الدكتور ربيع البعلبكي، رئيس نقابة تكنولوجيا التربية في لبنان، بأن الكتب الورقية ما زالت تحتفظ بأهميتها، "فهي أداة بصرية تساعد على تكوين الصورة الذهنية التي تُخزّن في دماغ الطفل، وهذا أساسي لأنه يسمح بتحويل المعرفة والمعلومات، في أثناء التحليل العقلي، إلى إبداع وتفكير نقدي".
يعدد البعلبكي لـ"النهار" 3 أنماط تعليمية:
نمط بصري - تلميذ يحفظ النص برؤية كلماته وقراءتها.
نمط سمعي - تلميذ يقرأ النص بصوت مرتفع ليستوعبه.
نمط حركي - تلميذ يتتبع الكلمات بإصبعه في أثناء القراءة.
الكتب الورقية تخدم النمط البصري، أما الأجهزة اللوحية (تابلت) فتجمع هذه الأنماط كلها معاً: تعرض الصورة، وتصدر الصوت، وتتيح التفاعل الحركي. "ولهذا السبب، تصل مقاطع الفيديو القصيرة بسهولة إلى مختلف أنماط المتعلمين، لأنها تجمع بين الصوت والصورة والحركة معاً، وهذا يجعلها أسرع وأفعل في إيصال المعرفة، وكلما كان التعلّم بصرياً وسمعياً وحركياً وتحليلياً في آن، استطعنا أن نغذّي الذكاءات المتعددة لدى المتعلم، وهذا ينعكس لاحقاً في قدرته على استثمار المعرفة بطريقة إبداعية"، كما يقول.

ما مزايا التابليت؟
- وصول فوري إلى المعلومة مع تحديثها الدائم
-تكلفة أقل مقارنة بالكتب الورقية
- تقديم أنماط متنوعة (سمعية، بصرية، حركية)
- تجارب تفاعلية مثل الفيديوهات والاختبارات والمحاكاة
يلفت البعلبكي إلى أن الذكاء الاصطناعي بات قادراً على التعامل مع كل متعلم تعاملاً فردياً، "فيتعرف إلى قدراته الخاصة، ويكشف الثغرات أو الفجوات التعليمية لديه، ثم يوجّهه في المسار الدقيق الذي يلائم احتياجاته المعرفية، وهذا التطور يجعلنا نتجاوز الكتاب إلى ما يتيح التعلّم القائم على المشاريع التعليمية (Project-Based Learning)، فهذه المشاريع تتضمن أنماط محاكاة يصعب على الكتاب إيضاحها، مكتفياً بعرض الرسوم (Figures) لشرح النماذج المعروضة. أما الأجهزة اللوحية المدعمة بالذكاء الاصطناعي، يمكن جمع الأنماط والنماذج في تجربة محاكاة تفاعلية واحدة أكثر إيضاحاً وأسهل استيعاباً.
و.. أو!
هل تغنينا التابلت عن فعل الكتابة؟ بحسب البعلبكي، بدأ دور الكتاب التقليدي يتقلص، "لكننا لم نستغنِ بعد الكتابة، فإن فقدناها، فقدنا معها جوهر إبداعنا البشري، فالتعلم الحقيقي يتطلب منا أن نكتب ونرسم ونحلل ونشكّل ونخطط، فكلها عمليات تتم بالكتابة، وهي أساسية لتثبيت المعرفة في أعماق الذاكرة البشرية".
أولاً، ليس الخيار "الكتاب أو الرقمي ولا ثالث لهما"، فالتكامل الذكي بينهما مفتاح معرفي مهم، كما يقول البعلبكي، "فالكتب تضمن البنية والموثوقية، بينما توفر الموارد الرقمية التحديث والتفاعل، والتخلي الكامل عن الكتب الورقية يحرم الطفل تجارب لا يمكن استبدالها".
وثانياً، إنها مسألة العدالة الرقمية وحق الإنسان في الوصول إلى المعلومات! لمن لا يستطيع إلى "التابليت" سبيلاً.. يختم البعلبكي: "المطلوب أن تتوافر في يد التلميذ أدوات تقنية تساعده على تحويل المعرفة إلى مهارة ثم إلى كفاءة، ثم تحويلها في النهاية إلى ريادة".
نبض