الألعاب الذهنيّة تدريب للعقل... لكن احذروا عزلة أطفالكم!
عندما تتزايد علينا الضغوط، نلجأ إلى الترفيه. هذا المبدأ ينطبق أيضاً على الأطفال في المدارس، عندها... عصفوران بحجر واحد: ترفيه نفسي وتدريب عقلي.
إن التدريب العقلي من خلال الألغاز والألعاب الرقمية، أو حتى الأنشطة الفكرية البسيطة، يعزز الذاكرة، يطوّر التركيز، ويحسّن المزاج. لكن في المقابل، لا تخلو هذه الممارسات من مبالغات تجارية أو مخاطر سلوكية تجعل من الضروري التعامل معها بتوازن ووعي.
في حديث لـ"النهار"، تؤكد راكيل جبران، أستاذة محاضِرة في جامعة القديس يوسف سابقاً، أن على الأهل اختيار الألعاب الملائمة للطفل بحسب عمره واهتماماته:
- 3 - 4 سنوات: ينجذب الطفل إلى الصور الكبيرة والواضحة والملونة، ويُفضل أن تكون التعليمات بسيطة وقصيرة، على أن يكون وقت اللعب محدوداً.
- 5 - 7 سنوات: يملّ الطفل من الألعاب البسيطة، ويميل إلى ألعاب تفرض عليه المزيد من التحديات.
- 7 - 10 سنوات: يصبح الطفل أكثر إقبالًا على الألعاب المعقّدة، كالكلمات المتقاطعة وألعاب الورق. في هذه المرحلة يكون قادراً على التعبير عن الألعاب التي يفضّلها، ويتمكن من اختيارها بنفسه.
وترسم جبران خريطة أخرى للمسألة، تتصل باهتمامات الطفل، على الشكل الآتي:
- الطفل الذي يحب كل ما هو بصري، يفضل ألعاب تحديد الاختلافات والمتاهات.
- الطفل الذي يفضل الأرقام والحساب، يميل إلى ألعاب مثل السودوكو وألعاب الورق.
- الطفل الاجتماعي يستمتع بالألعاب الجماعية مع أهله أو أصدقائه، مثل ألعاب الذاكرة أو الألعاب التقليدية.
تفصيلاً:
3 – 5 سنوات (مستوى سهل)
- ألعاب تحديد الاختلافات - Spot the Difference Games (تساعد على تنمية التركيز والملاحظة الدقيقة والذاكرة البصرية)

- ألعاب الذاكرة - Memory Games(تساعد الطفل على تقوية ذاكرته وتعزز قدرته على التركيز)

5 - 7 سنوات (من مستوى سهل إلى مستوى صعب)
- ألعاب المتاهة – Maze Games (تعلّم الطفل البحث المستمر عن الحلول المناسبة للتحديات التي يواجهها، وتدربه على التفكير بمرونة وإيجاد بدائل متنوعة)

من 7 سنوات وما فوق
- لعبة الأرقام أو سودوكو Sudoku - )تنمّي مهارات الحساب والتفكير المنطقي وتجريب الحلول، إذ يتعلم اللاعب كيف يربط بين المعطيات المختلفة ويحللها وفق احتمالات متعددة)
.png)
أكثر الأخطاء التي يقع فيها الأهل شيوعاً عند اختيار الألعاب الذهنية لطفلهم، كما تقول جبران، هي اختيار ألعاب صعبة لا تناسب عمر طفلهم، "وهذا قد يؤدي إلى شعور أطفالهم بالإحباط أو الفشل، بدلاً من أن يكون وقت اللعب مساحة للتسلية والتعلّم".
هذه الألعاب الذهنية كلها باتت متوفرة رقمياً أيضاً، في مستويات من الصعوبة تناسب الفئات العمرية المتعددة. والخطأ الآخر الذي يرتكبه الأهل هو تفضيل النسخة الرقمية من الألعاب. وتضيف جبران: "الخطأ الثالث يكمن في التركيز على الجانب التعليمي وإغفال جانب المتعة، فعندما يشعر الطفل أن اللعبة التي يلعبها تشبه الواجب المدرسي، يفقد شغفه بها وتفقد معناها الأساسي، لذا يجب أن تبقى مساحة ممتعة تُحفّز الفضول وتدعم التعلّم بشكل غير مباشر."
حذار العزلة
هنا، يتدخّل رولان أبي نجم، الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات، متحدثاً عن مخاطر الألعاب الذهنية، ويقول لـ"النهار": "علينا أن نعود إلى المبدأ الأساسي: أي نشاط يقوم به الطفل عبر الشاشة هو في الوقت نفسه نوع من العزلة".
وبالنسبة إليه، هذه العزلة تكون:
- تباعداً اجتماعياً: فانشغال الطفل بالهاتف أو الألعاب الرقمية يجعله معزولًا عن محيطه، غير متفاعل مع الأسرة أو البيئة حوله.
- ضعفاً في التركيز: يرفض الطفل الرد على نداء والديه، ويُظهر تشتتاً في الأفكار، ويبدو ذهنه منغلقاً على اللعبة وحدها.
- إدماناً رقمياً: الوقت الطويل أمام الشاشة يؤدي إلى تعلق مفرط بها، ورغبة متكررة في اللعب والفوز وتحقيق إنجازات وهمية.
- مشكلات سلوكية وانفعالية: توتر المفرط عند الخسارة في اللعب، وفقدان السيطرة على ردات الفعل.
ويرى أبي نجم أن المسؤولية المهمة تقع على الأهل في مراقبة هذه السلوكيات، ورسم حدود واضحة لوقت الشاشة، والتدخل فوراً للحد من الضرر، "لأن الاستمرار في هذا النمط قد يقود إلى إدمان حقيقي يمثل خطراً كبيراً على صحة الطقل النفسية".
وتلفت جبران أخيراً إلى أن المهم ليس عدد الألعاب التي نقدّمها لأطفالنا، بل نوعها، "والأهم هو الوقت الذي نستثمره معهم لنساعدهم على تنمية مهاراتهم في التركيز والتذكر وتطوير استراتيجيات حلّ المشكلات وتقبّل الخسارة والفرح بالفوز والتواصل الإيجابي مع الآخرين والتزام قواعد اللعبة. فهذه المهارات تنعكس إيجاباً، سواء على مستوى الطفل الأكاديمي أو في حياته اليومية."
نبض