ماذا يجب أن يعرف كل شاب عن جبران تويني؟

مجتمع 12-12-2025 | 05:51

ماذا يجب أن يعرف كل شاب عن جبران تويني؟

صوت أعلى من الخوف  ولادة في بيتٍ يصنع الكلمة- 1957
ماذا يجب أن يعرف كل شاب عن جبران تويني؟
جبران تويني الغائب الحاضر. (نبيل إسماعيل)
Smaller Bigger

في الخامس عشر من أيلول 1957، وُلد جبران حاملاً اسماًأكبر من عمره. سمّاه غسان تويني "جبران"، استمراراًلجدٍّ كان وجهاً من وجوه السياسة والصحافة والديبلوماسية في لبنان. لم يكن الاسم تفصيلاً عابراً. كان إرثاً، وظلّاً طويلاً يرافق الحفيد، ويرسم حوله توقعات عالية. 

كبُر جبران بين بيت مري وبيروت، في منزلٍ تختلط فيه رائحة الحبر بصوت الجدل السياسي. وفي حديقة البيت، كان عالمه بسيطاً: مغامرات صبيانيّة، وشجرة كبيرة يختبئ خلفها، وشقيقة اسمها نايلة كانت رفيقته الأولى. رحلت نايلة صغيرة. انتظرها طويلاً إلى أن أدرك معنى الفقد. تركت غياباً مبكراً سيظلُّ يسكن كتاباته ويمنحه حساسية عالية تجاه الألم الإنساني.

نايلة… البداية الأولى مع الخسارة
كانت شقيقته نايلة رفيقة طفولته. لعبا، ركضا، ملآ البيت ضحكاً. ثم جاءت الضربة الأولى: مرضت نايلة، وأخبره الكبار بأنّها "ستسافر للعلاج". انتظر عودتها طويلاً، يسأل أمّه كل يوم: متى تنتهي الرحلة؟
لم تكن رحلة. كانت النهاية الأولى التي تصنع رجلاً في عمرٍ مبكر. دُفنت نايلة في حديقة البيت، وظلّ ظلّها جزءاً من ذاكرته وصوته وروحه.

موت الأم… الوجع الذي لا يلتئم
انتقلت العائلة من باريس إلى نيويورك بعد تعيين غسان تويني سفيراً في الأمم المتحدة. لكن مرض والدته الشاعرة اللبنانية الفرنكوفونية ناديا حمادة، أم جبران، كان يتقدّم. كانت امرأة حنونة وصلبة تواجه مرضاً قاتلًا بثبات.

قالت في أحد أيام الصيف: "أريد أن أرى حفيدتي الأولى قبل أن أرحل".

وُلدت نايلة الصغيرة، ابنة جبران، لتشرق أيام الأم الأخيرة. رحلت ناديا وعمرها 48 عاماً. ترك رحيلها فجوة لم تُملأ يوماً. اكتشف جبران منذ شبابه أنّ الحياة فيها فصول فقدٍ متتالية، وأن عليه أن يقف كلّ مرّة ويُكمل.

مكرم… الفاجعة الثانية
بعد ثلاث سنوات على رحيل الأم، وقع الخبر الأشدّ. تعرّض مكرم، شقيقه، لحادث سير في باريس عام 1987. دخل غيبوبة طويلة. جلس جبران إلى سريره، يكتب إليه رسائل كما لو أن الكلمات تستطيع أن تعيده.

لكن مكرم رحل. كتب له جبران في وداعه: "سألاقيك في جمهورية الحقيقة والشفافية والنور".

هذه الخسارات المتلاحقة لم تكسره… بل كوّنت صلابته.

جيل الحرب: شاب لا يقبل الصمت
مواقفه في الحرب الأهلية… لا التباس فيها
عاش جبران بدايات الحرب وفصولها. رأى مدينته تسقط، ورأى السلاح يحتل يوميات الناس.
كان شاباً لم يقف على الحياد.

 

ماذا كان موقفه؟
1. ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
2. ضدّ الانفلات الفلسطيني في لبنان واستباحة الدولة.
3. مع الجيش اللبناني عندما حاول البعض إسقاطه.
4. قريباً من الجبهة اللبنانية من دون أن ينتمي إلى حزب.
5. رافق صعود بشير الجميّل ورأى فيه مشروعاً لاستعادة الدولة.
عام 1976 أصيب برصاصة في رجله أثناء توجهه إلى مبنى النهار، وكان يخدم عسكريته، مختبراً حياة الجيش من كافة المناطق والطوائف. لم تغيّر الرصاصة مساره. عاد إلى الشارع وإلى الموقف.

 

في باريس… تعلم أنّ الكلمة قد تنفيك لكنها لا تُخيفك
درس الإعلام والعلاقات العامة في باريس. وهناك، تدرّج في "النهار العربي والدولي"، وتسلّم رئاسة تحريرها.
تعلّق في باريس بمعنى الصحافة التي لا تخاف، وبمعنى أن تكون وحيداً أمام قوّة كاسحة… لكنّك لا تتراجع.

 

الشهيد جبران تويني.
الشهيد جبران تويني.

 

البعد العربي والعالمي
كان جبران منفتحاً على أفق العالم والحداثة التي يبلغها المجال الإعلامي والإعلاني. وفي "النهار العربي والدولي"، قاد مقابلات عربية وعالمية رفيعة المستوى. 
ربطته علاقات بأهم منظمات الصحافة الدولية وعلى رأسها اتحاد ناشري الصحف الذي انضم إليه.
نظم مؤتمرات عالمية وعربية لدعم موقع الصحافة عربياً. وخرق المحظورات مشاركاً في منتديات دولية، ومنها منتدى دافوس الذي حجزت "النهار" مقعداً دائماً فيه. 
نالت "النهار" جوائز عالمية على يد جبران، وشهدت حداثة تقنية في أدوات العمل والطباعة والمكاتب التي جرت عصرنتها بأسلوب المساحات المفتوحة لتصبح من أهم المكاتب الصحافية في المنطقة. 

جيل الشباب: جبران الذي أراد بلاداً جديدة
"نهار الشباب"… لغة جديدة
بعد الحرب، عاد إلى بيروت ليقود تحديث "النهار". أراد صحافة تشبه الجيل الجديد، لا جيل الحرب.
أبرز ما فعله للشباب:
•أطلق ملحق "نهار الشباب"، الأقرب إلى قلبه.
•فتح صفحات الجريدة لكل من يريد أن يكتب.
•أطلق تجربة 128 شاباً في البرلمان ليوم واحد.
•نظم حوارات سياسية حيّة في الساحات.
•قدّم برامج سياسية على LBC بأسلوب صريح وغير تقليدي.

المواجهة الكبرى: 2000 – 2005
مرحلة الوصاية السورية
كان جبران من الأصوات الأكثر جرأة في مواجهة التسلّط الأمني والسياسي. كتب افتتاحيات اعتُبرت تحدياًمباشراً للنظام الأمني السوري-اللبناني القائم حينها.
كتب، انتقد، فهدّدوه. كان يعرف أنّ الثمن كبير.
كان يقول:
"أنا مشروع شهيد… بس ما رح أسكت"

 

14 شباط 2005: لحظة التحوّل
اغتيال الرئيس رفيق الحريري فجّر الشارع، وخرجت بيروت عن صمتها. صار جبران و"النهار" من رموز اللحظة.

14 آذار 2005: القسم
وقف أمام مئات الآلاف:
»نقسم بالله العظيم أن نبقى موحّدين«
كان هذا القسم إعلاناً واضحاً أنّ المعركة لم تعد سياسية فقط… بل وطنية.
29 أيار 2005: نائب بيروت
دخل البرلمان نائباً، لكنّه ظلّ صحافياً قبل كل شيء. حمل معه رائحة المطابع وصوت الناس إلى المجلس.

12 كانون الأول 2005: الاغتيال بالتفجير… والولادة الثالثة للصوت
في صباح 12/12/2005، اغتيل جبران بتفجير بعد مغادرته منزله. لم تكن الجريمة مجرد اغتيال سياسي… بل محاولة لإسكات صوت يمثّل جيلاً يريد بلداً مختلفاً.
الاغتيال جعله رمزاً.

لماذا يعني جبران الجيل الجديد؟

1. لأنه قال الحقيقة ودفع ثمنها.
2. لأنه أثبت أن الشاب قادر على أن يغيّر المشهد.
3. لأنه أعاد تعريف الجرأة بأنها مسؤولية وليست تهوراً.
4. لأنه أعطى الشباب مساحة في الإعلام والسياسة قبل أن يصبح ذلك موضة.
5. لأنه حلم في لبنان طبيعي… لا بلداً يعتاد الموت والخوف.

جبران… صوتٌ لم يرحل
لم يعش طويلاً، لكنه عاش بوضوح. عاش كما يكتب الافتتاحيات:
مباشراً، صادقاً، متمرّداً، ومؤمناً بأن لبنان يستحق من يدافع عنه.
لم يكن مجرّد صحافي أو نائب.
كان مشروع وطن.
وكان يعرف أنّ المعركة أطول من عمره… لكنه خاضها حتىالنهاية.


ماذا قدّم جبران تويني للشباب؟
1. أعطاهم لغة جديدة في السياسة والإعلام
• أدخل خطاباً شبابياً صريحاً إلى الصحافة والسياسة في بلد كان يعيش على الكلام الخشبي.
•جعل "الرأي الحر" قيمة يومية، لا شعاراً، وفتح صفحات النهار أمام طلاب الجامعات ليكتبوا بلا وصاية.

2. واجه الحرب والميليشيات… وشرح لهم معنى أن تكون مواطناً.
•خلال الحرب، كان من الأصوات القليلة التي واجهت منطق الميليشيات، وانتقد كل الأطراف بلا استثناء.
•قال للشباب إن الوطن ليس سلاحاً ولا زعيماً… بل فكرة، ومشروع، ومسؤولية.
•كتب ضد تقسيم بيروت وضد تحويل الحرب إلى قدرٍ أبدي.

3. جعل المشاركة السياسية حقاً لا امتيازاً
•أسّس "نهار الشباب" ليمنحهم منصّة تعبّر عنهم، وكانت أوّل مساحة حقيقية يكتب فيها الشباب عن هوياتهم، قضاياهم، واختناقهم من الطبقة السياسية.
•دعم اتحادات الطلاب، وشجّع على المواجهة العلنية، لا الخضوع.

4. نشر فكرة "الجيل الجديد هو صاحب الحل"
•كان يكرر أن الشباب هم من سيغيّرون لبنان، وأن دورهم ليس شكلياً.
•حمل ملفات الطلاب أمام مجلس النواب، ودافع عن قضايا الجامعة اللبنانية والتعليم المهني والحق في العمل.

5. دعاهم إلى الخروج من الصمت: "لن نخاف بعد اليوم"
•كان يؤمن بأن الخوف هو ما دمّر أجيالًا كاملة.
•أطلق خطاب المواطنة في 2005 الذي تحوّل إلى قسم، وحملته آلاف الأيادي الشابة.
•جعلهم جزءاً من المعركة من أجل الكرامة والحرية، لا مجرّد متفرجين.

6. أعطاهم نموذجاً للقيادي الذي لا يختبئ
•حضر كل المعارك علناً، ووقف في التظاهرات، ودافععن الصحافيين والطلاب عندما كانوا يتعرّضون للتهديد.
•واجه التهديدات بوضوح، ولم يترك بيروت في أصعب اللحظات، ليقول لهم: القيادة ليست امتيازاً… بل ثمنها دم وجرأة ومسؤولية.

7. فتح الطريق لجيل إعلامي جديد
•خرّج من النهار عشرات الصحافيين الشباب الذين أصبحوا قادة رأي اليوم.
•أسّس مدرسة في الكتابة تجمع ما بين الصدق والوضوح والبساطة، من دون صراخ أو بروباغندا.

8. جعل فكرة لبنان "مشروعاً ممكناً"
•طرح مشروع الدولة المدنية، إصلاح القضاء، استقلالية الإعلام، ومحاسبة الفساد. وهي كلّها قضايا تبناها الجيل الجديد لاحقاً.
•كتب رؤيته عن "لبنان الجديد" ووضع خطوات عملية لنهضة اقتصادية واجتماعية.
 أطلق حملة تجهيز بعض فروع الجامعة اللبنانية بـ"غرفة صحافة" مقدّمة من "النهار"، وتشمل أجهزة كومبيوتر وتجهيزات في خدمة الطلاب مباشرة.

 

خلاصة موجّهة إلى الشباب
جبران لم يكن بطلاً من الماضي فقط. كان أوّل من قال علناً:
"لبنان ينهض بشبابه… لأنهم غير ملوّثين بحروب آبائهم".
لقد قدّم لكم مفاتيح التغيير: المنبر، الشجاعة، الحرية، ومفهوم المواطنة.

              
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.