الغرفة الخضراء تحوّل التلميذ إلى "مواطن أخضر"
باميلا شاهين
تصدّر لبنان عام 2025 قائمة الدول العربية الأكثر تلوّثاً، وفق تقرير منصّة Numbeo الذي أشار إلى أن نسبة التلوّث بلغت نحو 89% من حجم البلاد، ما يثير قلقاً جدياً، ويجعل من الضروري إطلاق مبادرات تربوية ومجتمعية تُعزّز ثقافة الحفاظ على البيئة للحدّ من التلوّث، او اعادة تفعيل مبادرات موجودة، لعل في مقدمها "الغرفة الخضراء".
من هنا، تأتي مبادرة الغرفة الخضراء التابعة للمركز التربوي للبحوث والإنماء، التي تقع في دار لويس أبو شرف للمعلمين والمعلمات في جونية، والتي أُعيد تفعيلها عام 2022 بالشراكة مع منظمة اليونسكو، لتكون نموذجاً تعليمياً حديثاً يجمع بين المعرفة البيئية النظرية والتطبيق العملي، بهدف ترسيخ مفهوم "المواطن الأخضر" في المدارس اللبنانية.

تقول ندى جرجس، مديرة دار لويس أبو شرف للمعلمين والمعلمات، في حديث إلى "النهار"، إن الغرفة الخضراء تسعى إلى غرس قيم المواطنة البيئية في نفوس التلامذة من خلال أنشطة تفاعلية تعلّمهم كيفية الزراعة، وترشيد استهلاك المياه، وإعادة تدوير النفايات، والحفاظ على الطاقة، مضيفةً "هي ليست صفاً تقليدياً بل مساحة تطبيقية يتفاعل فيها المتعلم مباشرة مع الطبيعة، فيتلمّس بيديه أثر التلوّث ووسائل معالجته". وتشير إلى أن الغرفة تستقبل يومياً ثلاث مدارس من مختلف المناطق اللبنانية، يشارك تلامذتها في ثلاثة مشاغل تطبيقية.

في المشغل الأول، يتعلم التلامذة فرز النفايات، وتوفير المياه عبر استخدام مغاسل بحسّاسات، ويتعرفون إلى المصابيح الموفّرة للطاقة وتجارب حول الطاقة الشمسية والهوائية، كما يتفاعل التلاميذ مع أنشطة توضح أثر الزجاج المزدوج والثلاثي في تقليل الحرارة داخل المنازل وبالتالي خفض الحاجة إلى التدفئة واستهلاك الطاقة. وفي القسم الخارجي من المشغل، يشاهدون تطبيقات عملية لتسخين المياه بواسطة الطاقة الشمسية وتوليد الكهرباء من طاقة الرياح.
أما المشغل الثاني، فيُعنى بالفنون البيئية، يتأمل خلالها التلاميذ مشاهد لبيئة ملوّثة بالنفايات، ثم يعيدون رسمها وتلوينها بأسلوب يحوّلها إلى بيئة نظيفة وصديقة للطبيعة، فيما يقدّم المشغل الثالث أنشطة في مختبرَي الفيزياء والمعلوماتية، إذ يتعلم التلامذة في مختبر المعلوماتية، مبادئ "البرمجة البيئية" (Coding) التي تشرح كيفية فرز النفايات وتصنيفها رقمياً بحسب نوعها، بهدف توجيهها إلى الحاويات المناسبة، بينما يقدّم مختبر الفيزياء لهم تجارب تطبيقية مرتبطة بموضوع الغرفة الخضراء ومبادئ الطاقة المستدامة.
رحلة تعليمية تنتهي بتعهّد بيئي
وعن تأثير هذه الأنشطة على حياة التلميذ اليومية، توضّح جرجس أن كل متعلّم يختتم يومه بتوقيع "تعهّد بيئي" يدوّن فيه اسمه، واسم مدرسته، وتاريخ زيارته، والنشاط الذي أثار اهتمامه أكثر من غيره، متعهداً بتطبيقه في حياته اليومية داخل أسرته أو محيطه، ويصبح هذا التعهد تذكاراً حيّاً يذكّره دوماً بمسؤولياته تجاه البيئة ونشر قيم التربية الخضراء.

وتؤكد جرجس أنها تشاهد دوماً التلاميذ يغادرون الغرفة وهم محمّلون بإحساس عميق بالإنجاز والمسؤولية والفرح، كأنهم اكتسبوا أداة جديدة لصنع فرق حقيقي.
لا بدّ من تكثيف هذا النوع من الأنشطة التطبيقية لإرساء ثقافة الحفاظ على البيئة بين الأجيال الصاعدة، وتحويل التربية البيئية من مجرد شعار إلى ممارسة واقعية، تسهم في بناء جيلٍ أكثر وعياً واستدامة، يضع لبنان الأخضر نصب عينيه كقضية وطنية وإنسانية.
نبض