العالم على "صفيح نووي"... تصعيد ترامب يقلب السياسة الأميركية ويُنذر بعهد جديد خطير
 
                                    ارتاح قادة العالم حين تم الاتفاق على هدنة ديبلوماسية من شأنها أن تساعد على استقرار الاقتصاد العالمي، بعد لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جينبينغ. ولكنهم تفاجأوا بتصريح أطلقه ترامب، ما أثار مخاوف بشأن ما إذا كان العالم يدخل عهداً جديداً من انتشار الأسلحة النووية بين القوى العالمية.
فترامب، قبل لقائه شي بدقائق، أعلن أن الولايات المتحدة ستستأنف على الفور تجارب الأسلحة النووية بعد توقف دام أكثر من 30 عاماً. وكتب على "تروث سوشال": "بسبب برامج الاختبار التي تجريها دول أخرى، أصدرت تعليمات إلى وزارة الحرب ببدء اختبار أسلحتنا النووية على أساس متكافئ"، مضيفاً أن العملية ستبدأ على الفور.
لم يقدم ترامب أي تفاصيل أخرى حيال هذا القرار، ولكن وسائل إعلام أميركية عديدة أشارت إلى أن المنشور يحمل معلومات غير دقيقة: يتم الحفاظ على الترسانة النووية الأميركية من قبل وزارة الطاقة والإدارة الوطنية للأمن النووي، لا من قبل وزارة الحرب. وتشرف وزارة الطاقة على اختبار الأسلحة النووية منذ إنشائها في عام 1977. كما ادعى ترامب أن الولايات المتحدة "تمتلك أسلحة نووية أكثر من أي دولة أخرى". ولكن يُعتقد أن روسيا تمتلك 5,580 رأساً نووياً، وفقاً لجمعية مراقبة الأسلحة التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، بينما تمتلك الولايات المتحدة 5,225 رأساً نووياً.
ويبدو أن سياسة الأسلحة النووية، التي كانت تعتبر في يوم من الأيام من مخلفات الحرب الباردة، أصبحت تبرز بشكل متزايد. وجاء قرار ترامب بعد تكرار روسيا تهديداتها النووية خلال حربها على أوكرانيا، وبعد أن أعلنت هذا الأسبوع إجراء تجارب على صاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية يُسمى "بوريفيستنيك". ومن خلال رسالته، بدا أنه يزيد الضغط بينما يستعد للقاء زعيم ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وثالث أكبر ترسانة نووية.
عهد جديد خطير  
قد تكون تصريحات الكرملين المتفاخرة بالقوة النووية لامست أخيراً وتراً حساساً في البيت الأبيض. وفي حين أشار ترامب إلى أن الصين لم تدفعه إلى اتخاذ هذا القرار، قال إن "الأمر يتعلق بالآخرين".
وتباهى بوتين بأسلحة دمار شامل جديدة على وشك الانضمام إلى ترسانة روسيا النووية الهائلة بالفعل في الآونة الاخيرة. وكانت الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على الحد من ترسانتيهما للأسلحة النووية بموجب معاهدة "نيو ستارت"، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2011. وبموجب الاتفاقية، كان أمام البلدين سبع سنوات للوفاء بالحدود المعينة لعدد الأسلحة النووية العابرة للقارات التي يمكنهما امتلاكها. ومع ذلك، من المقرر أن تنتهي صلاحية المعاهدة في شباط/فبراير 2026.
ويرى الكرملين أن تهديداته النووية ليست تهديداً عسكرياً مباشراً بقدر ما هي أداة ديبلوماسية: طريقة فعالة لجذب انتباه الولايات المتحدة والغرب لمنح موسكو ما تريده في أوكرانيا، وتركيز الانتباه على التهديد الوجودي المحتمل الذي يمكن أن تشكله روسيا إذا جرى استفزازها أو رفضها.
وبحسب شبكة "سي أن أن"، من المؤكد أن توقيت التهديدات الروسية الأخيرة لم يكن موفقاً، فيما كانت استجابة البيت الأبيض غير متوقعة بالنسبة إلى الكرملين. ربما يكون بوتين قد دفع ترامب عن غير قصد إلى اتخاذ قرار استئناف اختبارات الأسلحة النووية الخاصة به. وقالت "سي أن أن" في تحليل إن ذلك قد يكون درساً في مخاطر الخلط بين الكلام غير المسؤول والأسلحة النووية في عالم يزداد تقلباً. وما كان يقصده الكرملين كوسيلة لتعزيز حججه بشأن أوكرانيا، ربما ألقى العالم في عصر جديد وخطير ولا يمكن التنبؤ به.

تعليقات ترامب عكست سياسة أميركية استمرت لعقود
لقد قلبت تعليقات ترامب بشأن التجارب النووية عقوداً من السياسة الأميركية. أجرت الولايات المتحدة آخر تجربة نووية في عام 1992. ولكنها بشكل عام تمتلك أيضاً عقوداً من البيانات المستمدة من التجارب، مما يسمح لها باستخدام النمذجة الحاسوبية وتقنيات أخرى لتحديد ما إذا كان السلاح سينفجر بنجاح.
وتعتمد الولايات المتحدة على ما يسمى "الثالوث النووي" (الصوامع الأرضية والقنابل المحمولة على الطائرات والصواريخ ذات الرؤوس النووية في الغواصات في البحر) لردع الآخرين. وتجري تجارب روتينية على الصواريخ غير المسلحة.
ومن المرجح أن تجرى أي تجارب أميركية مستقبلية في مواقع التجارب في نيفادا، ولكن من المرجح أن يتطلب الأمر الكثير من العمل في المواقع لإعدادها.
هدية لروسيا والصين؟
أجريت أكثر من 2000 تجربة نووية في جميع أنحاء العالم منذ عام 1945. لكن معظم الدول أوقفت التجارب النووية في التسعينيات. وكان آخر انفجار نووي صيني في عام 1996، بينما كان آخر انفجار نووي لموسكو في عام 1990، خلال الأيام الأخيرة للاتحاد السوفياتي. كان الاستثناء النادر هو أحدث تجربة نووية أجرتها كوريا الشمالية في عام 2017.
لكن روسيا والصين لا تجري اختبارات نووية تحت الأرض، على الرغم من أنها تختبر الصواريخ وأنظمة الإيصال الأخرى. وتجري الولايات المتحدة بشكل دوري اختبارات على صواريخ باليستية عابرة للقارات غير مسلحة لضمان موثوقيتها. 
وقد لا يكون استئناف التجارب النووية في صالح الولايات المتحدة حيث يتخوف خبراء مراقبة الأسلحة من تصعيد الموقف، معتبرين أن ذلك سيكون بمثابة هدية لروسيا والصين، اللتين تعملان على تطوير أنواع جديدة من الأسلحة النووية وستستفيدان من استئناف التجارب.  
ومن بين حلفاء الولايات المتحدة، هناك بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى إسرائيل التي تمتلك ترسانة غير معلنة، تضم ما يقرب من 100 سلاح. كما تمتلك الهند وباكستان وكوريا الشمالية مخزونات نووية متزايدة.
الصين... المعضلة جديدة
تشكل الصين معضلة نووية صعبة بشكل خاص لترامب. خلال الحرب الباردة، بدا "الردع الأدنى" الذي تمثل ببضع مئات من الأسلحة النووية، مقارنة بالآلاف التي تمتلكها روسيا والولايات المتحدة، صغيراً جداً بحيث لا يدعو إلى القلق.
لكن شي تخلى عن تلك السياسة، أولاً سراً، ثم علناً، عندما أنشأت الصين صوامع صواريخ جديدة على مرأى من الأقمار الاصطناعية التجسسية الأميركية. يقدر البنتاغون أن الصين ستنشر نحو 1000 سلاح في عام 2030، و1500 سلاح في عام 2035. وإلى أن تصل الصين إلى التكافؤ التقريبي، يبدو أنها لا تهتم بالانضمام إلى محادثات الحد من التسلح.
 
     
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             نبض
                                                                        نبض
                                                                     
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                