اللقاء المرتقب بين ترامب وشي: هدنة تجارية موقتة والصين "الطرف الرابح"

آسيا 30-10-2025 | 06:09

اللقاء المرتقب بين ترامب وشي: هدنة تجارية موقتة والصين "الطرف الرابح"

هذا الانفراج يعيد ترامب إلى دوره المفضّل كصانع صفقات مركزي، ويضمن إغاثة اقتصادية قصيرة الأجل. وهي ديناميكية توفر مزايا لبكين. 
اللقاء المرتقب بين ترامب وشي: هدنة تجارية موقتة والصين "الطرف الرابح"
لم يلتق ترامب وشي شخصياً منذ العام 2019. (أ ف ب)
Smaller Bigger

تتجه أنظار العالم إلى الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ، اليوم الخميس، وهو الاجتماع الأول الذي طال انتظاره منذ عودة ترامب إلى منصبه والذي قد ينهي أشهراً من الفوضى الاقتصادية العالمية التي تسببت بها الحرب التجارية بين البلدين.

لم يلتق الزعيمان شخصياً منذ العام 2019، ويُعد الاجتماع فرصة لإعادة ضبط العلاقات. يراهن ترامب على الفوز في اللقاء السياسي الأهم هذا العام بعد شهر صعب، فيما فرضت الصين ضوابط جديدة شاملة على صادرات المواد الأرضية النادرة. ورداً على ذلك، هدّد ترامب بفرض تعريفة إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية.

وقال كبار المفاوضين التجاريين للدولتين، بعد اختتام محادثات متوترة في كوالالمبور إنهم توصلوا إلى اتفاق إطاري يمهد الطريق للتوصّل إلى اتفاق كبير. ويبدو أن الاتفاق نفسه عبارة عن هدنة تجارية، قد تنطوي على استئناف الصين شراء فول الصويا الأميركي وتأجيل فرض ضوابط جديدة على المعادن النادرة. أما بالنسبة للولايات المتحدة فتدرس تعليق الرسوم الجمركية الجديدة، وإلغاء الضريبة البالغة 20% على الصين بسبب دورها في أزمة الفنتانيل في البلاد، وربما الامتناع عن اتخاذ إجراءات سياسية جديدة ضد الصين.

 

لكن الاتفاقية أكثر من مجرد هدنة موقتة. إنها الخطوة الأولى في حوار رفيع المستوى نُظّم حديثاً، بهدف تثبيت عام كامل من الديبلوماسية. ومن المتوقع أن يسافر ترامب إلى بكين في أوائل العام المقبل، تليها زيارة متبادلة من شي.

هذا الانفراج يعيد ترامب إلى دوره المفضّل كصانع صفقات مركزي، ويضمن إغاثة اقتصادية قصيرة الأجل. وهي ديناميكية توفر مزايا لبكين. وفقاً للأشخاص الذين يتشاورون مع المسؤولين الصينيين، فإن التفكير السائد في دوائر صنع السياسة في بكين هو أن شي يقترب من هدفه القصير الأمد: توازن دائم حيث تصبح الضغوط الأميركية قابلة للإدارة وتكسب الصين الوقت للحاق بالولايات المتحدة.

 

ويبدو أن تصرف ترامب مع الصين الآن وُلد من الضرورة. لا يتعلق هذا الإطار الجديد بالشراكة أو التعاون، بل يقول بعض المحللين إنه اعتراف واقعي بأن المواجهة المفتوحة أصبحت مكلفة للغاية وإن المصالح الأميركية الحيوية - من إدارة سيطرة الصين على المعادن النادرة إلى وقف تدفق الفنتانيل - تتطلب حواراً تبادلياً. ويقول المحللون إنها محاولة لوضع قواعد لمنافسة منظمة وطويلة الأمد بين القوى العظمى.

 

ولكن هذا الانفراج مبنيّ على أساس هش. لا تزال نقاط التوتر الأساسية في العلاقة - من مستقبل تايوان والمناورات العسكرية في بحر الصين الجنوبي إلى السباق على التفوّق في الذكاء الاصطناعي - دون حلّ.

 

تحمل الهدنة بين واشنطن وبكين دلالات رمزية عميقة للطرفين. بالنسبة إلى ترامب، توفر منصة لإبراز صورته كصانع صفقات بارع يتعامل مع منافس رئيسي، ما يدل على أن موقفه المتشدد قد أعاد بكين إلى طاولة المفاوضات وفقاً لشروطه.

في المقابل، الوقت هو أكثر ما يحتاج إليه شي. مع معاناة الاقتصاد الصيني من تباطؤ مستمر، يوفر هذا الإطار فرصة حاسمة للاستقرار. فهو يوقف الحرب التجارية موقتاً، ويزيل التهديدات الاقتصادية المباشرة، ويسمح لبكين بالتركيز على نقاط ضعفها الداخلية. والأهم من ذلك أن التنازلات التي قدمتها بكين هذا الأسبوع هي تكتيكية وليست هيكلية، وأي اتفاق سيكون عودة إلى الوضع الراهن، وليس إصلاحاً جوهرياً. وتعكس التنازلات خطة جديدة وضعها شي تتضمّن تقديم تنازلات محسوبة لإرضاء ترامب مع التمسك بمواقف صارمة بشأن القضايا التي تمثل اهتماماً أساسياً لبكين.

كذلك، بالنسبة إلى شي، فإن احتمال القيام بزيارة دولة لواشنطن هو أداة قوية لتعزيز صورته على الساحة العالمية. وإذا زار ترامب الصين، فإن شي، الذي استضاف في أيلول/سبتمبر استعراضاً عسكرياً فخماً حيث كان محاطاً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، سيكون قادراً على أن يظهر لشعبه أنه حتى الرئيس الأميركي يريد القدوم إلى الصين.


ترامب وشي (وكالات)
ترامب وشي (وكالات)

 

لقاء ترامب – شي... مكسب صيني 
ومهما كانت نتيجة اللقاء، يرى محللون أن لقاء شي وترامب يمثل فوزاً للصين وفرصة لإظهار ما سعت إليه منذ فترة طويلة: أن تقف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة. 

لقد شكلت الحرب التجارية التي شنّها ترامب على الصين تحدّياً لشي، ولكنها أيضاً منحته هديّة غير متوقعة تتمثل في تسليط الضوء على الصين لتستعرض قوتها الاقتصادية ولترسيخ واقع جديد: الصين ستتفاوض، لكنها لن تخضع، بحسب "سي أن أن".

في الوقت الذي سارعت فيه معظم دول العالم إلى تملق ترامب والتفاوض معه لخفض الرسوم التي فرضها في الربيع الماضي، ردّت الصين بتدابيرها الخاصة  إلى أن اضطر الطرفان إلى الجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى هدنة.
بدورها، قالت صحيفة "واشنطن بوست" إنه ليس من الواضح ما إن كان ترامب يتمتع بميزة في المواجهة الحالية، لأن سيطرة الصين على معظم المعادن النادرة لن تنتهي، ولن تتوقف بكين عن استخدام هيمنتها في هذا القطاع كوسيلة ضغط على واشنطن. 

وهناك أسباب أخرى تجعل شي يشعر بالثقة. فقد أدّت قيود ترامب التجارية إلى زعزعة حلفاء الولايات المتحدة التقليديين وأدّت إلى انقسامات بين واشنطن وبعض القوى الصاعدة في الجنوب العالمي، بما في ذلك البرازيل والهند. وقد مكن ترامب بكين من إظهار نفسها كطرف مسؤول في السياسة العالمية في مواجهة الولايات المتحدة التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها في عهد ترامب. 

وفي هذا الصدد، يقول رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث وارف قميحة لـ"النهار":  "أرى أن لقاء شي بترامب، مهما تكن نتائجه، يُعدّ في حدّ ذاته مكسباً لبكين. فمجرد انعقاد اللقاء يؤكد أن بكين نجحت في فرض نفسها طرفاً لا يمكن تجاوزه في صياغة التوازنات الدولية، وأن واشنطن اضطرت إلى العودة إلى طاولة الحوار معها بعد مرحلة طويلة من التوتر والتصعيد"، مشيراً إلى أن "بكين تدخل اللقاء من موقع قوة وثقة، مستندة إلى استقرارها الداخلي وتنامي نفوذها الاقتصادي والتكنولوجي، في وقت تواجه الولايات المتحدة تحديات داخلية وانقسامات سياسية تحدّ من قدرتها على المناورة".

ويضيف: "المكسب بالنسبة إلى بكين لا يُقاس فقط بالنتائج المعلنة، بل بالرمزية السياسية والإعلامية التي تمنحها صورة القوة العاقلة والمسؤولة الداعية إلى الحوار، في مقابل خطاب أميركي يبدو أحياناً متقلّباً. لذلك، يمكن القول إن مجرد جلوس ترامب مجدداً مع شي هو في ذاته فوز لبكين، لأنه يعيد تأكيد مكانتها كفاعل رئيسي لا يمكن تجاوزه في إدارة النظام الدولي".

ويلفت قميحة إلى أن "موقف الصين من الحرب التجارية يركز على عدة نقاط أساسية. أولاً، بكين تدعو دائماً إلى الحوار لحل الخلافات، بعيداً عن التصعيد أو اعتبار الصراع ميداناً للفوز والخسارة. ثانياً، الحفاظ على المصالح الوطنية، حيث تلتزم الصين بحماية حقوقها الاقتصادية مع تأكيد التزام السياسات التجارية بالقوانين الدولية. ثالثاً، التركيز على الاستقرار الاقتصادي والتنمية".

يشكّل لقاء ترامب وشي محطة حاسمة في العلاقات الأميركية - الصينية، قد تفتح باب التهدئة موقتاً، لكنها لا تنهي المنافسة الاستراتيجية العميقة.


الأكثر قراءة

ثقافة 10/30/2025 10:50:00 PM
بعد صراع طويل مع المرض...
صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
مجتمع 10/30/2025 3:01:00 PM
فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في الحادثة للوقوف على ملابسات جريمة الطعن