أين تلتقي سياسة ترامب الروسية مع سياسات أسلافه؟

صحيح أن سياسة الرئيس دونالد ترامب الروسية صدمت كثيرين، وثمة أسباب وجيهة لذلك. لكن عودة في الزمن إلى الوراء تظهر أن ثمة خيطاً رفيعاً يربط عدداً من الإدارات الأميركية السابقة في نظرتها إلى روسيا.
قبل الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا، قبل الرئيس جو بايدن بالتفاوض مع روسيا حول "هندسة أمنية" جديدة في أوروبا. لم يتخلّ بايدن عن الأوروبيين ولم يستبعدهم عن طاولة التفاوض بطبيعة الحال. لكن حتى في ذلك الوقت، أقلق قبول بايدن مطلب الحوار مع الروس بعض الغربيين على الأقل. هذا إلى جانب أن كلام بايدن عن التسامح مع "توغل محدود"، لم يساعد كثيراً في بناء عملية الردع إذا كان زلة لسان، وإذا لم يكن كذلك، فقد عبر عن أن العداء لروسيا ليس الهدف الأول للولايات المتحدة. يؤكد ذلك منح إدارته الضوء الأخضر لتفعيل خط أنابيب "نورد ستريم 2" التي كانت تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
كان الرئيس الأسبق باراك أوباما أكثر انفتاحاً على الروس. أول ما يتبادر إلى الأذهان عند ذكر أوباما وروسيا معاً هو قوله لنظيره الروسي آنذاك دميتري مدفيديف في آذار (مارس) 2012، حين لم يكن يعلم أن مكبر الصوت كان شغالاً، أنه سيتمتع بـ "مرونة أكثر" حول مسائل مثل الدفاع الصاروخي بعد الانتخابات. وطلب من مدفيديف إبلاغ الرئيس الآتي فلاديمير بوتين منحه "مساحة" للتحرك.
وكانت هناك لحظة أخرى مؤثرة في مسيرته. في المناظرة الرئاسية الثالثة مع ميت رومني سنة 2012، ورداً على اتهام الأخير بأن روسيا هي التهديد الجيوسياسي الأول لأميركا، قال أوباما إن المسؤولين "في الثمانينات يتصلون ليسألوا عن استرجاع سياستهم، لأن الحرب الباردة انتهت منذ 20 عاماً". كان الرد قوياً ومؤثراً لكنه كان خاطئاً، باعتراف كريس سيليزا من "سي أن أن" بعد عقد على ذلك. لكن في سنة 2013، أسف أوباما لأن روسيا "انزلقت أحياناً إلى... ذهنية الحرب الباردة". حتى بعد ضم القرم، رفض أوباما مجدداً العودة إلى "حرب باردة". لكن الطرف الآخر في تلك الحرب كان له رأي مختلف.
ولم تحمل ولاية جورج بوش الابن هذا التحدي لروسيا خلال الحرب الخاطفة مع جورجيا. كانت معظم الإجراءات التي اتخذتها إدارته رمزية مثل إرسال سفن حربية أميركية إلى البحر الأسود لغايات إنسانية، ونقل بعض القوات الجورجية من العراق إلى جورجيا للمشاركة في القتال. والعقوبات الأخرى أيضاً كانت ضعيفة مثل تجميد التعاون النووي المدني بين الطرفين وتعليق طلب روسيا الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. مع ذلك، حصل الغزو الروسي لجورجيا في الأشهر الأخيرة من ولاية بوش، لذلك ثمة ما يدعو للتساؤل عما إذا كانت الإدارة تتفادى التصعيد العسكري لعدم تحميل وزره إلى المرشح الجمهوري اللاحق. وعلى أي حال، بدا أن جورجيا أيضاً تحملت مسؤولية جزء من الحرب على الأقل.
وثمة المزيد
لائحة الأمثلة الأميركية عن التعاون مع روسيا تطول. من أبرز ما ميز إدارة بيل كلينتون مثلاً أنها أقنعت أوكرانيا بالتخلي عن أسلحتها النووية مقابل ضمانات أميركية وروسية وبريطانية بالحفاظ على أمنها ووحدة أراضيها. أعرب كلينتون لاحقاً عن ندمه حيال تلك الخطوة. حتى سلفه جورج بوش الأب، حذر أوكرانيا من الانفصال عن الاتحاد السوفياتي في "خطاب دجاج كييف" الشهير سنة 1991.
تبين هذه اللائحة غير الشاملة أن سياسة ترامب تجاه روسيا ليست منقطعة تماماً عن السائد في "مؤسسة" واشنطن. على سبيل المثال، عند التطرق إلى سياستي ترامب وأوباما تجاه روسيا، يبدو الرئيسان متفقين على النظر إليها من خارج عدسة "الحرب الباردة". أحد الفروقات الأساسية في سياسة ترامب مع أسلافه هو أنه يوصلها بطريقة فجة. لا ينفي ذلك أن ترامب قد يكون معجباً أكبر بشخصية وحكم بوتين الأوتوقراطي بالمقارنة مع نظرة أسلافه الأميركيين إلى روسيا. حتى عند النظر إلى السياسات الأوروبية السابقة، لم تكن قرارات القادة الأوروبيين متشددة إلى هذا الحد بعد غزو القرم. لا يزال الأوكرانيون ينتظرون إلى الآن إقراراً من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بأن معارضة انضمام أوكرانيا إلى الناتو كانت خاطئة، إن لم يكن معنوياً فعلى الأقل استراتيجياً. سيطول الانتظار.
حدود التحليل
لا تعطي المقارنات التاريخية صورة كاملة الدقة. فروسيا في ولايات كلينتون وبوش الابن مختلفة عما كانت عليه في ولايات أوباما وترامب (الأولى) ومختلفة أيضاً عما هي عليه في الأعوام الأخيرة. وبالتالي، إن اختلاف المعطيات التي تغذي صناعة القرار لدى الرؤساء تحتم إنتاج رؤى مختلفة. يستتبع ذلك أسئلة من نوع ما إذا أمكن أوباما في 2025 أن يتخذ سياسات مختلفة عما اتبعه بعد 2014 مثلاً. حتى لو أبقى على السياسات نفسها تجاه أوكرانيا بحسب هذا الافتراض، فمن المحتمل ألا يتعامل مع أوروبا بطريقة ترامب. ويصعب أيضاً افتراض أنه كان سيفرض على كييف توقيع اتفاقية لاستثمار الموارد المعدنية مقابل ضمانات ما.
في الوقت نفسه، حتى مع كل الاتهامات التي تساق ضد ترامب، وهي ليست مجردة من أي أدلة، يبقى أن نبرة تحذيراته (القليلة) لروسيا تتخطى أي نبرة استخدمها أسلافه إلى حد كبير.
ربما يبدو ترامب لامبالياً بأوروبا وأوكرانيا في أكثر الأحيان. هذا لا يعني بالضرورة أن القلق بشأن أمن أوروبا قض مضاجع معظم أسلافه.