سواء ألغيت قمة بودابست أم تأجلت إلى المستقبل "غير القريب"، لا تزال عيوب السياسة الخارجية الأميركية ثابتة في كثير من الأحيان: حماسة بلا رؤية.

بينما يتجادل العالم حول ما إذا كان اتفاق غزة سيصمد، انتقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أوكرانيا مستغلاً الزخم الحديث في شرم الشيخ لتحقيق اختراق في أوروبا. يبدو الرئيس مستعجلاً لـ"تخزين" الانتصارات الديبلوماسية علّها تسهل عليه طريق "نوبل". الطريق الوحيد المضمون حالياً في أوروبا هو خيبة الأمل.

المطالب القصوى

يغدق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعوداً كبيرة، لكن مبهمة، على ترامب أو على موفده ستيف ويتكوف، درءاً لإجراءات انتقامية محتملة. وحين ينجح، يعود إلى التشدد. حتى في فترة الحراك الديبلوماسي بين البلدين، لا يعلن بوتين إلا عن تنازلات إقليمية هامشية كما في زابوريجيا وخيرسون.

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء إنه تفاجأ من تقرير "سي أن أن" عن خلافات بين روسيا وأميركا حول المطالب "القصوى". وأضاف: "أعتقد أن المسؤولين الأميركيين استنتجوا أن موقف روسيا ظل دون تغيير إلى حد كبير مع الوقت ويبقى ضمن حدود مطالبها ‘القصوى‘ الأساسية".

صور ترامب وبوتين (أ ف ب)

إذاً، المطالب هي نفسها. ما يختلف فقط، وبحسب الظروف، طريقة التعبير عنها. سبب عدم ملاحظة ترامب لهذه الوقائع متروك للتخمين.

"تسوية جيدة"

بالمقابل، تعمد أوكرانيا أيضاً إلى شراء الوقت طالما أنها صامدة ميدانياً. يعني منح بوتين كامل دونباس توفير طريق سريع إلى الداخل الأوكراني بعد إعادة تسلح الجيش الروسي. علاوة على ذلك، لن تعطي أوكرانيا بوتين في السياسة ما عجز عن تحقيقه في الميدان. وتراهن كييف على الوقت وعلى استنزاف بوتين لحسن نوايا ترامب حتى ينقلب على روسيا. مع بعض الاستثناءات، كان الرهان خاطئاً.

يتمتع ترامب بـ"احتياطي ضخم" من النوايا الحسنة تجاه بوتين، ومن غير المرجح أن ينفد في وقت قريب. لكن ليس لدى أوكرانيا ما تخسره. قال رئيسها فولوديمير زيلينسكي إن تجميد الحرب عند الخطوط الحالية "تسوية جيدة". قلة في أوكرانيا أو أوروبا تعتقد ذلك.

كان سبب تأجيل القمة إصرار روسيا على رفض الهدنة قبل التوصل إلى اتفاق شامل. كذلك، لا تريد روسيا تجميد النزاع عند الخطوط الحالية. ثمة تضارب في التقارير عما إذا كان ترامب قد تراجع عن فرض تنازل أوكرانيا عن كامل دونباس، بالتحديد بعد "جدال عنيف" مع زيلينسكي في البيت الأبيض يوم الجمعة، أو أنه كان موافقاً منذ البداية على تجميد خطوط القتال حيث هي. إذا كانت الرواية الأولى صحيحة فمعنى ذلك أن وضع أوكرانيا مهتز، بما أن ترامب قد يرتد إلى موقفه الأساسي لو ظل يائساً للتوصل إلى اتفاق سريع.

فرق بسيط لكن مؤثر

بعد الإعلان عن فشل الترتيبات لعقد القمة، قال ترامب إنه لم يرد تضييع الوقت. لكنه مع ذلك أضاف أنه لا يزال يرى "فرصة" لحصول هدنة. وهذا يعني أنه ما زال يفتقر إلى تصور صحيح عن السياسة الروسية. في جميع الأحوال، يواصل الروس التعبير عن تفاؤل بالنسبة إلى قمة مستقبلية مع ترامب.

في هذه الأثناء، قال ديبلوماسي أوروبي لـ"فورين بوليسي" إن قمة في بودابست، لو حصلت، ستشبه قمة ألاسكا، مع فرق أنها ستكون على أرض أوروبية.

هو فرق هامشي لترامب "الخائب"، لكن مؤثر لبوتين "المعزول".