عامان على 7 أكتوبر: كيف غيّر الهجوم وجوه الإسرائيليين؟

لا تزال تداعيات هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، الذي شنّته حركة "حماس"، تُلقي بظلالها على المجتمع الإسرائيلي بعد عامين من حرب الإبادة الجماعية التي شنّتها إسرائيل على غزّة كردٍّ قاسٍ على العملية العسكرية التي أطلقت عليها الحركة اسم "طوفان الأقصى".

تُعتبر الحرب الإسرائيلية على غزّة الأطول والأشدّ كلفة على المستويات كافة، الداخلية والدولية، ومن نتائجها المباشرة تزايد التصدّع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إضافةً إلى التأثيرات النفسية العميقة على مجتمعٍ يعاني أصلاً من انقسامات داخلية. إلى ذلك، برزت أزمة ثقة في القيادة العسكرية، وفشل البروباغندا الإسرائيلية في تثبيت الرواية الرسمية، ما أدّى إلى الاستغناء عن وزارة "الهاسبراه"، رغم أن التأثيرات الأعمق لم تحدث بعد.

أدّى الهجوم إلى سقوط عدد كبير من القتلى والأسرى الإسرائيليين في يوم واحد، وهو ما يُعدّ سابقة في تاريخ إسرائيل. كما أن تراكم الفشل العسكري في ذلك اليوم أحدث صدمة اجتماعية كبيرة في مجتمع يعيش حالة من الإنكار التام لاحتلال الأراضي الفلسطينية، ويتّبع سياسة استعمار كولونيالي تجاه الفلسطينيين الواقعين تحت احتلاله.

وبعد مرور عامين، بدأت تتجلّى تبعات الهجوم بزيادة نسبة الانتحار بين الجنود النظاميين واحتياط الجيش العاملين في غزّة، وارتفاع نسب الطلاق بينهم، فضلاً عن ظاهرة الهجرة المعاكسة. كما أدّت مجازر الجيش الإسرائيلي وسياسة التجويع الممنهجة ضد الفلسطينيين في القطاع إلى تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة على المستوى العالمي.

إسرائيلية تبكي أمام منزل تضرر بشدة في كيبوتس نير عوز جنوب إسرائيل. (أ ف ب)

الآثار النفسية للحرب

أجرت البروفيسورة أورنا ليفينسون-براون، الباحثة في برنامج إدارة النزاعات والتسوية، والدكتورة تهيلا كالاجي من قسم الإدارة والسياسات العامة، وكلتاهما من جامعة بن غوريون في النقب، دراسة حيال الاختلافات في طريقة تعامل الإسرائيليين العلمانيين والتقليديين والمتديّنين والحريديم مع هجوم 7 أكتوبر و"حرب السيوف الحديدية" التي تلته. وقد هدفت الدراسة إلى تقديم فهم أعمق لقدرة المجتمع الإسرائيلي على التكيّف في أوقات الأزمات.

وبحسب الدراسة، فإن المجتمع الإسرائيلي بجميع فئاته - علمانيين، تقليديين، متديّنين، ومتشدّدين دينيًا (الحريديم) - يتعامل كلٌّ بطريقته الخاصة مع أحداث 7 أكتوبر 2023 وحرب "السيوف الحديدية".

شملت العيّنة 1024 مشاركاً من مختلف الفئات الاجتماعية، بمتوسط أعمار بلغ 43 عاماً، بينهم 32.4% علمانيون، و16.7% تقليديون، و18.2% متديّنون، و32.7% متشدّدون دينياً.

وأشار تحليل البيانات إلى أن جميع الفئات أظهرت مستويات عالية من المرونة الشخصية والأسرية والمجتمعية، ومع ذلك، سجّلت معظمها مستويات مرتفعة من الضائقة النفسية، باستثناء المجتمع الحريدي الذي أظهر مستويات منخفضة من الضائقة العاطفية.

كما بيّنت النتائج أن الشعور بالتماسك، والقدرة على إضفاء معنى لما يحدث، وفهم كيفية التصرّف في العالم، كانت عوامل رئيسية في تخفيف الضائقة النفسية لدى جميع الفئات. ومع ذلك، لم يُلاحظ وجود دور واضح للمرونة الوطنية، إذ ظهرت أهميتها في المجتمع العلماني والتقليدي والديني، لكنها غابت عن المجتمع الحريدي، ما يُبرز تمايزه الثقافي والاجتماعي.

في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران في 10 تموز/ يوليو، برزت أزمة ثقة أكبر بين الدولة ومواطنيها، لكن أولئك الذين يعتقدون أن القيادة سترعاهم في الأزمات أظهروا انخفاضاً في مستويات الضائقة النفسية. في المقابل، تستند مرونة الحريديم إلى القيم الاجتماعية والدينية التي تقلّل الحاجة إلى الاعتماد على المرونة الوطنية، ما يُبرز التعقيد الثقافي في مفهوم الصمود داخل المجتمع الإسرائيلي.

وبحسب كالاجي: "في المجتمعات الدينية اليهودية المتشددة، توفّر شبكات الدعم الاجتماعي والتركيز على القيم المشتركة شعوراً بالأمن والانتماء، مما يقلّل مستويات الضائقة النفسية ويُعزّز التماسك والمرونة الشخصية".

الإجراءات الواجب اتخاذها

أشار باحثو مركز "تاوب" إلى أن آثار 7 أكتوبر طالت جميع مجالات الحياة في إسرائيل، داعين إلى إجراءات يمكن اتخاذها طالما استمرت الحرب. ففي بعض المجالات يمكن استغلال الوضع لبناء واقع أفضل وتحسين الاستعدادات لمواقف مماثلة مستقبلاً.

ولفتوا إلى خطوات قد تُعزّز النظام الداخلي، أبرزها: تبسيط عمليات نقل المعلومات بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية، إنشاء آلية لتنسيق الإجراءات ودعم منظمات المجتمع المدني التي تُساعد المتضررين، تحسين ظروف عمل وأجور الأخصائيين الاجتماعيين، وتوسيع الكوادر المهنية في أقسام الخدمات الاجتماعية.

ووفقاً للباحثين، من المرجّح أن تتجلّى الاضطرابات التراكمية للحرب في تأخّر النمو والصعوبات العاطفية والتعليمية لدى الأطفال مستقبلاً، ما يستدعي تعريضهم لتجارب بيئية إيجابية ومثرية.

ويعاني نظام الصحة النفسية في إسرائيل من إهمال مزمن منذ سنوات، سواء على مستوى الكوادر أو البنية التحتية، خصوصاً بعد جائحة كورونا. لذا، يدعو الباحثون إلى بناء نظام مُخصّص للتعامل مع الصدمات النفسية، يضمن الوعي بها في جميع مراحل العلاج.

التغيّرات الديموغرافية

ستؤثر الحرب بين إسرائيل و"حماس" على المعايير الثلاثة التي تُقاس بها التغيّرات الديموغرافية عادة: الخصوبة، الهجرة، والوفيات.

في ما يخصّ الخصوبة، لا تزال الآثار قصيرة المدى للحرب غير واضحة، لكن بعض التوقّعات تشير إلى احتمال ارتفاع معدّل المواليد بعد عودة الجنود، وفق الظاهرة الكلاسيكية المعروفة بعد الحروب.

أما في ما يتعلق بالهجرة، فقد بدأ التأثير بالظهور؛ إذ غادر إسرائيل نحو 82,700 إسرائيلي، معظمهم دون سنّ التاسعة والأربعين، وهي النسبة الأعلى مقارنة بالسنوات الماضية حين بلغت 35 ألفاً. وينتمي معظم المغادرين إلى فئة الشباب في سنّ العمل.

وجاءت نسب الهجرة بحسب المناطق على النحو الآتي: تل أبيب والمركز 54%، حيفا 12%، القدس 11%، الشمال 10%، والمستوطنات في الضفة الغربية 3%.
أما على صعيد الوفيات، فمن منظور ديموغرافي ضيّق، فإن الزيادة التي سُجّلت في معدّلات الوفيات جرّاء هجوم 7 أكتوبر والحرب التي تلتْه، تُعدّ محدودة نسبياً.