دوليات 17-08-2025 | 08:41

ترامب - بوتين: برد ألاسكا يوقظ الأحلام الإمبراطورية

هذا المشهد يثير المخاوف من تكرار ما حدث في يالطا عام 1945، حين تقاسمت القوى العظمى أوروبا بعد هزيمة النازية من دون حضور الدول المعنية مباشرة. ولعل بولندا خير شاهد على ذلك، إذ قُسمت ثلاث مرات في القرن الثامن عشر بين روسيا وبروسيا والنمسا.
ترامب - بوتين: برد ألاسكا يوقظ الأحلام الإمبراطورية
الرئيسان الأميركي والروسي في قمة ألاسكا. (أ ف ب)
Smaller Bigger

رأى مؤيدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اختياره ولاية ألاسكا مقراً للقمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الجمعة، من أجل مناقشة مستقبل الحرب في أوكرانيا، إشارة إضافية إلى براعته في عقد الصفقات. فالولايات المتحدة اشترت هذا الإقليم من روسيا عام 1867 بسعر يقارب "سِنتَين" فقط للفدان الواحد. ومع استبعاد أوكرانيا من القمة، تماماً كما استُبعد سكان ألاسكا الأصليون حين عقدت صفقة البيع، أُعيد فتح النقاش حول ما يراه بعض الباحثين قاسماً مشتركاً بين بوتين وترامب: العقلية الإمبراطورية.

يقول داميان كايفز في "نيويورك تايمز" إن هذا المصطلح شاعت شهرته بفضل المؤرخ الأميركي الأرمني جيرارد ليباريديان، الذي استخدمه في خطاب بإنكلترا عام 2014 لوصف إمبراطوريات سابقة - إيران وتركيا وروسيا – كانت تسعى للتأثير في دول ما بعد الاتحاد السوفياتي. قال حينها: "يصف هذا المفهوم نهجاً راسخاً في الذاكرة الوطنية لكثير من الدول، إذ يجمع بين حنين مبسط إلى العظمة الماضية، وبين اقتناع راسخ بالحق في السيطرة المستمرة على الأمم الأصغر والأضعف".

منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 2022، اكتسبت هذه الفكرة زخماً واضحاً، وصارت أوثق ارتباطاً بروسيا البوتينية. أما ولاية ترامب الثانية، فقد استهلها بتهديدات بالاستيلاء على غرينلاند وقناة بنما وضم كندا وإرسال قوات أميركية إلى المكسيك، وهذا ما دفع المؤرخين إلى القول إن ذلك كله يعكس ذهنية إمبراطورية. يقول كايفز: "صحيح أن ترامب لم يكن ثابتاً؛ فهو يستنكر دائماً التدخلات الخارجية والحروب الغبية... لكنه قصف إيران فيما يتردد في الدفاع عن ديموقراطيات ضعيفة مثل تايوان. ومع ذلك، يبقى في حديثه عن مقايضات الأراضي لإنهاء الحرب في أوكرانيا - رغم اعتراض كييف - ما يشبه السلوك الإمبراطوري، أو على الأقل نسخة من سلوك القوى العظمى".

 

القطبان فوق ثلج ألاسكا (أ ف ب)
القطبان فوق ثلج ألاسكا (أ ف ب)

 

إن التحول من المنافسة الإيديولوجية إلى النهج التجاري يعكس تغيراً جذرياً في طبيعة النظام الدولي. خلال الحرب الباردة، كان كل طرف يحاول إثبات تفوق نموذجه الاجتماعي والاقتصادي. اليوم، يبدو أن التركيز انتقل إلى المكاسب الإقليمية والاقتصادية المباشرة، خصوصاً أن في الرجلين سمات تحدّد استراتيجيته السياسية وإطلالته العامة ونمطه التفاوضي، وأن القمة عقدت بين رجل الصفقات ورجل الاستخبارات.

 

رأي
موناليزا فريحة
قمة ألاسكا بين رجل الصفقات ورجل الاستخبارات
في الرجلين سمات تحدّد استراتيجيته السياسية وإطلالته العامة ونمطه التفاوضي

 

يقول المؤرخ دانيال إيمرفاهر، من جامعة نورثويسترن، للصحيفة الأميركية: "ساد عرف قوي أن الدول لا تحل خلافاتها بالضم، وبوتين واضح في تحدي ذلك. أما ترامب فيبدو مرتاحاً تماماً للعودة إلى القواعد القديمة". فالعقلية الإمبراطورية لا تقتصر بالطبع على مسألة تبادل الأراضي، إنما هي إطار ذهني لاستعراض القوة. 

يرى مؤرخون أن قمة ألاسكا أعادت إحياء ثلاث أفكار إمبراطورية كان يُعتقد أنها طُويت:

1. المركز في مقابل الأطراف
كان قمة مغلقة: لم تُدعَ أوكرانيا ولا قادة أوروبا. أثار ذلك أسبوعاً من الديبلوماسية المحمومة، مع وعود قطعها ترامب بأنه سيستمع أكثر مما سيقرر. ومع ذلك بقي اللقاء ثنائياً، فيما جرى تهميش الاتحاد الأوروبي.

هذا المشهد يثير المخاوف من تكرار ما حدث في يالطا عام 1945، حين تقاسمت القوى العظمى أوروبا بعد هزيمة النازية من دون حضور الدول المعنية مباشرة. ولعل بولندا خير شاهد على ذلك، إذ قُسمت ثلاث مرات في القرن الثامن عشر بين روسيا وبروسيا والنمسا.

هذا هو جوهر الفكرة الإمبراطورية: المركز يحتفظ بالسلطة، بينما يضطر من هو على الهامش الى قبول حقوق أقل بحجة "التمدين" أو "الإثراء".

2. التفوق وتمجيد الذات
ارتبطت العقلية الإمبراطورية دائماً بالإيمان بالتفوق الثقافي - وأحياناً العرقي - وتمجيد الحاكم باعتباره تجسيداً للأمة.

بوتين يشبّه نفسه ببطرس الأكبر، ويروّج لفكرة روسيا الرسالية التي ينبغي أن تضم أوكرانيا وجيرانها. أما ترامب فغذّى تماهي الوطنية مع شخصه، من بيع عملات معدنية تحمل صورته، إلى استعراض عسكري احتفالي بدا كأنه تكريم شخصي. رأى الأوروبيون مجرد قبوله القمة على أرض أميركية هديةً لبوتين تمنح رؤيته الشرعية التي يريدها.

3. الإمبراطورية الاقتصادية
من شركة الهند الشرقية البريطانية إلى تدخلات الولايات المتحدة لحماية شركاتها في أميركا اللاتينية، أدى التداخل بين التجارة والدولة دوراً إمبراطورياً معروفاً.

اليوم، الأمر جلي في شركات الطاقة الروسية التي تملكها الدولة، وفي مطالبة ترامب بأن تحصل الولايات المتحدة على حصة من موارد أوكرانيا المعدنية في مقابل المساعدات العسكرية، وتهديده بفرض رسوم جمركية قاسية على شركاء روسيا التجاريين إذا لم يوافق بوتين على وقف النار. وهذا يعكس المزج بين المصالح الوطنية والشركاتية وتوظيف الثروة لإعادة تشكيل النظام العالمي.

 

أوكرانيا وقمة ألاسكا... هل قضي الأمر؟
أسباب قلق أوكرانيا من قمة ترامب وبوتين

 

تكشف المقارنة بين قمم الحرب الباردة ولقاء ألاسكا عن تحول عميق في طبيعة الديبلوماسية الدولية. بينما كانت اللقاءات التاريخية تتميز بـ"المنافسة على رؤية أفضل للمجتمع" كما، تبدو اللقاءات المعاصرة أكثر تركيزاً على المكاسب الفورية والملموسة. في الحرب الباردة، كانت القمم بين واشنطن وموسكو تتناول قضايا أوسع، وكانت أقرب إلى عروض متقابلة للأيديولوجيات مع استعداد للتسويات لكسب حلفاء. وكما قال مايكل ماكفول، مستشار الرئيس باراك أوباما للشؤون الروسية: "كان لدينا طرح من أجل مجتمع أفضل، وكذلك الشيوعيون، وكنا نتنافس". هذه العبارة تلخص جوهر المنافسة خلال الحرب الباردة، لم تكن مجرد صراع على السلطة، بل منافسة على تقديم النموذج الأمثل للحضارة الإنسانية.

على سبيل المثال، في قمة ريكيافيك عام 1986 بين ريغان وغورباتشوف، تناولت المحادثات القضاء على الأسلحة النووية بالكامل، وهو هدف طموح يعكس الرؤية الكبرى لكلا الزعيمين. رغم فشل الاتفاق النهائي، إلا أن هذه القمة أرست أسس تغيير جذري في العلاقات بين القوتين العظميين. 

في ألاسكا اليوم، العلاقة الأميركية-الروسية تُقدَّم بصفتها صفقة تجارية أكثر منها صراعاً فكرياً. كلا الرئيسين مدفوعان برؤيته الخاصة لعظمة الماضي. ترامب يصر على أن السلام هو الهدف، لكن الأرض بالنسبة إلى كليهما تبدو الوسيلة.

ويبقى علينا انتظار ما دار بين الرجلين. وهذا الانتظار يذكرنا بأن القضايا الدولية المعقدة تتطلب أكثر من مجرد صفقات تجارية، بل تتطلب التزاماً للمبادئ والقيم التي يمكنها توجيه العالم نحو مستقبل أكثر استقراراً وعدالة.

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/15/2025 8:43:00 PM
 خلف الحبتور: في موقف يعكس غطرسة لا حدود لها، يخرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليأمر سكان غزة بإخلاء مدينتهم، وكأنها ملك له يوزع أهلها كما يشاء
المشرق-العربي 9/12/2025 12:25:00 PM
إقفال منتجع "إكس بيتش" في منطقة وادي قنديل في محافظة اللاذقية.
شمال إفريقيا 9/15/2025 11:56:00 AM
محاكمة سيدة متهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا
لبنان 9/14/2025 2:53:00 PM
 تغيير مسار طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة من بيروت إلى مطار هيثرو في لندن بسبب عارض صحي أصاب أحد الأطفال