هل يلبّي بوتين شروط علييف لإنهاء أزمة الطائرة المنكوبة؟

يستمر التوتر في العلاقة بين روسيا وأذربيجان بعد سقوط (أو إسقاط) طائرة "إمبراير 190" الأذرية حين كانت تحلق في الأجواء الروسية في 25 كانون الأول (ديسمبر). لم يكن اتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأذري إلهام علييف يوم السبت لإبداء اعتذاره كافياً لتبريد الأجواء. في الواقع، يبدو أنه جعلها أكثر سخونة.
يوم الأحد، طالب علييف روسيا بالإقرار بذنبها في "إسقاط" الطائرة، وهو ما حصل بشكل غير مقصود بحسب تصريحه، كما بدفع تعويضات لأسر الضحايا والدولة الأذرية. واتهم روسيا بتضليل التحقيقات والتفوه بـ "نظريات عبثية" طوال الأيام الثلاثة التي تلت الحادثة. بحسب تقرير أوكراني على الأقل، يبدو أن بوتين أجرى اتصالاً ثانياً بالرئيس الأذري ليل الأحد.
قال مراقبون إنه لم يكن سهلاً على بوتين تقديم اعتذار شخصي لأنه ببساطة لا يعتذر أبداً. الآن، مطلوب منه إقرارٌ مشحونٌ سياسياً بالمسؤولية عن حادث تحطم طائرة مع التداعيات التي تنجم عنه. لم يفعل ذلك سنة 2014 حين أسقط متمردون موالون له طائرة ماليزية في شرق أوكرانيا، وقد رفضت روسيا حينها التعاون مع لجنة تحقيق دولية بخصوص الحادث. ولم يقر يوري أندروبوف سنة 1983 بإسقاط الاتحاد السوفياتي بشكل غير مقصود طائرة كورية جنوبية عانت من مشاكل تقنية فاخترقت أجواء البلاد عن طريق الخطأ. في ذلك الوقت، قرّبت تلك الحادثة العالم مجدداً من حافة المواجهة النووية. هذه المرة، شملت الحادثة صديقين بدلاً من عدوين. لكن ذلك لا يحصّن العلاقات المشتركة من التدهور.
معاملة بالمثل
في كل من روسيا وأذربيجان، لا يمكن الفصل كثيراً بين الشخصي والسياسي بسبب طبيعتي الحكم. إذا لم يكن سهلاً على بوتين الاعتذار وتحمل المسؤولية، فالأمر نفسه تقريباً ينطبق على علييف الذي لا يستطيع التعامل مع تحطم الطائرة بصفته مجرد حادث قضاء وقدر. يفاقم الأزمة أن علييف نفسه كان متوجهاً إلى سانت بطرسبرغ ليعقد اجتماعاً مع قادة رابطة الدول المستقلة لحظة وقوع الحادث مما دفعه للعودة إلى باكو.
من ناحية أخرى، سبق أن "سلّف" علييف بوتين موقفاً مماثلاً السنة الماضية. في 20 أيلول (سبتمبر) 2023، وحين كانت أذربيجان تقصف ناغورنو كراباخ، قتلت عن طريق الخطأ خمسة جنود روس من قوات حفظ السلام، من بينهم نائب القائد الأعلى لتلك القوات العقيد إيفان كوفغان. بحسب بيان صادر عن الكرملين، شدد علييف في اتصاله مع بوتين حينها على إطلاق "أكثر تحقيق شمولية لما حصل وعلى أن جميع الأشخاص المسؤولين سيواجهون العقاب اللازم". وأضاف علييف أن بلاده مستعدة لدفع تعويض مالي لعائلات الضحايا.
وفي حرب تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أسقطت القوات الأذرية عن طريق الخطأ أيضاً مروحية روسية فقتلت جنديين وجرحت آخر. تقدمت أذربيجان أيضاً باعتذار وأعلنت استعدادها لدفع تعويضات. لهذه الأسباب، يصعب أن تقبل أذربيجان بالاعتذار الروسي الفضفاض عن التحطم والذي تم ربطه فقط بحصول الحادث في الأجواء الروسية. على الأرجح، تريد باكو "معاملة بالمثل" بسبب ما حدث مع "إمبراير 190". وقال علييف الأحد إنه كان "مستاء ومتفاجئاً" من التفسيرات التي قدمها الروس.
علاوة على ذلك، رفضت أذربيجان مقترحاً تقدمت به كازاخستان وروسيا لإنشاء لجنة تحقيق خاصة برعاية رابطة الدول المستقلة، للإشراف على التحقيق. يعزى ذلك إلى ما وصفته باكو بـ "الأكاذيب" في ما يخص الرواية الرسمية التي صدرت عن البلدين بشأن الحادث، وخصوصاً نبأ انفجار خزان أكسجين على متن الطائرة والذي تداولته كازاخستان وروج له الإعلام الروسي.
قوة أذربيجان
تملك أذربيجان رافعة كبيرة في علاقتها مع روسيا. صحيح أن الأخيرة غضت الطرف عن سيطرة أذربيجان بالقوة على إقليم ناغورنو كراباخ بالرغم من المعاهدة الأمنية التي تجمعها مع أرمينيا، (تذرعت موسكو بأن الإقليم ليس تابعاً لأرمينيا). وذهبت روسيا أبعد من مجرد غض النظر حين قبلت ببيع أسلحة إلى أذربيجان بالرغم من اعتراضات يريفان الطويلة الأمد. لكن الصحيح أيضاً أن أذربيجان هي واحدة من دول القوقاز التي تساعد روسيا على الالتفاف حول العقوبات الغربية بعد غزوها لأوكرانيا.
على سبيل المثال، ارتفعت صادرات النفط الروسية إلى أذربيجان أربع مرات في 2023، وهذا يمنح البلاد القدرة على تحويل هذا النفط للاستهلاك الداخلي فيما تقوم بتصدير نفطها الخاص إلى أوروبا التي لم تعترض على ذلك بطبيعة الحال. من جهة أخرى، تساعد باكو موسكو في نقص معروض البيض الذي تعاني منه السوق الروسية، بينما يقبل الروس، على مضض، مساعدة أذربيجان للجيش الأوكراني بالإلكترونيات. وبدأت شركة "أفتوفاز" الروسية بتجميع سيارات "لادا" الروسية في أذربيجان، فيما تتطلع الدولتان أيضاً إلى توسيع إنتاج عربات السكك الحديدية والطائرات في البلد نفسه. وأصبحت أذربيجان "شريكاً لا بديل عنه" لنقل السلع من وإلى إيران.
تعدّ جميع "المزايا" التي تقدمها أذربيجان إلى روسيا دافعاً قوياً لإنهاء موسكو الأزمة الحالية بشروط ترضي باكو. ما إذا كان بوتين سيجد تسوية أكثر حفظاً لماء الوجه يبقى قيد المتابعة. يوم الاثنين، قال المدعي العام الأذري في بيان إن "روسيا التي لم تؤكد بعد أن الطائرة أصيبت بنيران دفاعاتها الجوية، أبلغت أذربيجان أنها تتخذ إجراءات مكثفة لتحديد المذنبين وتحميلهم المسؤولية الجنائية". هل يكون ذلك بداية تراجع عن التشدد الأذري في المطالب؟
الواضح أن موقف روسيا الضعيف بسبب حرب أوكرانيا، والذي ازداد وضوحاً مع سقوط الأسد، لا يترك هامشاً كبيراً للمناورة. بالتأكيد، تمنى بوتين عطلة أعياد أفضل من هذه.