أوروبا 29-12-2024 | 16:58

سقوط الطائرة الأذرية... إحراج جديد لموسكو

كان إحراجاً إلى حدّ اضطرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقديم اعتذار. وهي خطوة نادراً ما يقدم عليها.
سقوط الطائرة الأذرية... إحراج جديد لموسكو
صورة للطائرة الأذرية المحطمة (أ ب)
Smaller Bigger

انتظرت روسيا نحو 4 أيام كي تقدم اعتذارها عن جزء مما حصل مع رحلة الخطوط الجوية الأذرية "جي2 8234" على متن طائرة "إمبراير 190". وربما أتى هذا الاعتذار لأسباب خارجة عن إرادة الكرملين. على أي حال، لم يكن هذا الأمر كافياً لأذربيجان.

 

كانت "إمبراير 190" متوجهة من عاصمة أذربيجان باكو إلى مدينة غروزني الروسية صباح يوم الأربعاء، حين تم تحويل مسارها لأسباب مجهولة. خلال الرحلة، تم الإبلاغ عن تعرض نظام التموضع العالمي "جي بي إس" الخاص بها للتشويش. تحطمت الطائرة على بعد نحو 3.2 كيلومتر من مطار أكتاو في غرب كازاخستان، مما أدى إلى مقتل 38 شخصاً وجرح 29 آخرين.

 

اتهامات لم تأبه بالتحذير

في البداية، حذر الكرملين من نشر "فرضيات" بشأن الحادثة، بالتوازي مع قول مسؤولين في الوكالة الاتحادية للنقل الجوي الروسي "روسافياتسيا" إن الطائرة تحطمت بسبب اصطدامها بسرب من الطيور. لكن محللين في أمن الطيران قالوا إن الصور تظهر نقاطَ تشابُه مع ما حصل مع رحلة "إم أتش 17" التابعة للخطوط الجوية الماليزية والتي أسقطها سنة 2014 متمردون في شرق أوكرانيا موالون لروسيا، مما أدى إلى مقتل 298 راكباً. استخدم المتمردون حينها منظومة دفاعية روسية من طراز "بوك"، وقد ظنوا أن الطائرة المستهدفة مقاتلة حربية.

 

في غضون الساعات القليلة التي تلت الحادثة، كان المسؤولون الأميركيون شبه واثقين بأن نظاماً للدفاع الجوي الروسي استهدف الرحلة. ونقلت شبكات أميركية عدة، بما فيها "سي إن إن"، هذه التقييمات عن مصادر رسمية خاصة بها. وكان الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي قد أشار الجمعة إلى أن بلاده "رأت بعض المؤشرات الأولية التي من شأنها أن تشير بشكل مؤكد إلى أن هذه الطائرة أسقطت بفعل أنظمة روسية للدفاع الجوي". ورد كيربي بكلمة "نعم" على ما إذا كانت الولايات المتحدة قد حصلت على معلومات استخبارية بهذا الشأن، لكنه رفض الإدلاء بالمزيد من التوضيح.

 

وأظهرت صور لمسرح التحطم أن القسم الخلفي من طائرة "إمبراير 190" وبخاصة الذيل قد تعرض لثقوب متعددة، حيث رجح متابعون أنها ناجمة عن شظايا صاروخ منفجر. للمقارنة، كانت رحلة "إم إتش 17" قد واجهت اعتراضاً مشابهاً، إذ أظهرت التحقيقات أن الصاروخ لم يصطدم مباشرة بهيكل الطائرة، بل انفجر بالقرب من مقصورة القبطان. ويشكل ذيل الطائرة جزءاً لا يتجزأ من القدرة على التحكم بمسار الرحلة. في السابق، ساهمت أعطال في الذيل، وتحديداً في المثبتات الأفقية والعمودية، بكارثة قاتلة واحدة على الأقل. وتظهر الصور ومقاطع الفيديو المتداولة أن المثبت الأفقي للطائرة تعرض لشظايا كثيرة.

 

اعتذار... بلا إقرار

يوم الجمعة، نقلت "رويترز" عن مصدر أذري قوله إن النتائج الأولية للتحقيقات تظهر أن الطائرة تعرضت لهجوم من منظومة "بانتسير-إس" الدفاعية الجوية، كما أن نظام اتصالاتها تعرض للتشويش من أنظمة حربية إلكترونية بينما كانت تقترب من غروزني. وأضاف: "لا أحد يدعي أن ذلك حصل عن قصد لكن بالنظر إلى الوقائع المؤسسة، تتوقع باكو من الجانب الروسي الاعتراف بإسقاط الطائرة الأذرية".

 

يوم السبت، اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأذري إلهام علييف ليتقدم باعتذاره بسبب "الحادث المؤسف". وقدّم أيضاً "تعازيه الحارة والصادقة" لعائلات الضحايا متمنياً الشفاء العاجل للجرحى، بحسب بيان صادر عن الكرملين.

 

ولفت البيان إلى أن الرحلة الأذرية حاولت مراراً الهبوط في مطار غروني، لكن مدن غروزني وموزدوك وفلاديكافكاز كانت تتعرض للهجوم من قبل مسيّرات أوكرانية وكانت الأنظمة الدفاعية الجوية "تتصدى لتلك الهجمات". وأضاف البيان أن لجنة روسية فتحت تحقيقاً جنائياً بالانتهاكات المزعومة لقواعد سلامة الطيران، إذ "يخضع للاستجواب متخصصون مدنيون وعسكريون".

 

لم تتبنَّ روسيا إسقاط الطائرة ولو عن طريق الخطأ، لكنها تقدمت باعتذار لأن الحادث حصل في الأجواء الروسية. في الوقت نفسه، يمثل البيان تمهيداً أولياً لتحميل أوكرانيا ولو جزءاً من المسؤولية - إذا بينت التحقيقات اللاحقة فعلاً أن روسيا كانت وراء الاستهداف - على اعتبار أن القوات الأوكرانية كانت المبادِرة إلى إطلاق المسيّرات.

 

مخطط "لإخفاء الأدلة"؟

يوم الجمعة، قال وزير الخارجية الأوكرانية أندريه سيبيها إن الإعلام الروسي "كذب بشأن سبب التحطم"، مضيفاً أن موسكو "أجبرت الطائرة المتضررة على عبور البحر، على الأغلب في محاولة لإخفاء الأدلة على جريمتهم".

 

تطرح نظرية "محاولة إخفاء" الأدلة سؤالاً عن جدوى مسعى كهذا. على عكس المحيطات التي ابتلعت رحلات مثل "إير فرانس 444" سنة 2009 (تم استرجاع تسجيلاتها بعد نحو عامين من البحث)، و"إم إتش 370" الماليزية التي لم يُعثر عليها حتى الآن بعد اختفائها فوق المحيط الهندي في آذار (مارس) سنة 2014، قد لا تمثل البحار المغلقة عائقاً كبيراً أمام استرجاع الأدلة. فرحلة "إير فرانس 444" تحطمت وغرقت على عمق 3900 متر قبالة الشواطئ البرازيلية، بينما يبلغ معدل عمق بحر قزوين 211 متراً، بالرغم من أن أعمق نقطة فيه تصل إلى نحو ألف متر.

 

مع ذلك، لا يساعد التضارب الرسمي الصادر عن روسيا في تخفيف أجواء الالتباس المحيطة بالتحطم. أولاً، كان الحديث عن سرب الطيور. لاحقاً، قال رئيس "روسافياتسيا" دميتري يادروف إن الطائرة كانت تستعد للهبوط في غروزني وسط ضباب كثيف، وإن المسيرات استهدفت المدينة مما دفع السلطات إلى إغلاق المجال الجوي. وأضاف يادروف أنه بعدما فشل القبطان في الهبوط بالطائرة مرتين، مُنح اقتراحات للهبوط في مطارات أخرى، لكنه قرر الهبوط في أكتاو.

 

صورة روسيا تتضرر

صحيح أن التضارب بشأن الرحلة صدر أيضاً عن السلطات في باكو وخصوصاً قبل يوم الجمعة، لكن التأثير أكبر على روسيا بسبب موقعها الدولي كما بسبب حربها على أوكرانيا ورفضها تحمل مسؤولية إسقاط الطائرة الماليزية قبل عشرة أعوام. لكن هذا التخبط يؤذي صورة روسيا على الصعيد الدولي بحسب البعض، إذ قامت شركات طيران عدة بخفض عدد رحلاتها إلى روسيا أو تعليقها إلى أجل غير مسمى.

 

والمشكلة الأخرى لموسكو أن البيانات الرسمية الصادرة عن باكو السبت لا تتجانس مع بيان الكرملين. قال الرئيس الأذري إلهام علييف لنظيره الروسي إن الطائرة ضُربت بـ"تدخل خارجي" وأكد أنه يريد أن "يُحاسَب" المسؤولون. وأشار أيضاً إلى الثقوب العديدة التي ضربت جسم الطائرة كما إلى شهادات الناجين الذين سمعوا انفجارات في الخارج قبل أن يصابوا بشظايا. وليس واضحاً ما إذا كان اتصال بوتين بعلييف قد جاء بسبب إعلان البيت الأبيض الجمعة ترجيحه لسقوط الطائرة بسبب صاروخ روسي، بالإضافة إلى الضغوط التي مارسها الحليف الأذري.

 

علاوة على ذلك، كان ربط علييف بين وجود الطائرة في الأجواء الروسية وتعرضها للاعتداء واضحاً: "أثناء وجود (الرحلة الأذرية) في الأجواء الروسية، تعرضت لتأثير مادي وتقني خارجي وفقدت السيطرة بالكامل (و)تم توجيهها إلى مدينة أكتاو الكازاخستانية". لا يبدو أنه تم عرض مقترحات بمطارات روسية أخرى على الرحلة الأذرية بحسب رواية باكو.

 

لكن يوم الأحد، صعّد علييف تصريحاته أكثر، إذ اتهم "بعض الدوائر" الروسية بـ "التستر على هذه القضية" بحسب "أسوشيتد برس". وقال علييف للتلفزيون الرسمي المحلي إن الطائرة أصيبت بنيران فوق روسيا ودُمرت قابلية التحكم بها عبر الحرب الإلكترونية. وقال إن الطائرة لم تتعرض لإسقاط عمدي "بالطبع"، لكنه اتهم روسيا بمحاولة إخفاء القضية لأيام عدة. وكرر مطالبته بمحاسبة المسؤولين ودفع التعويضات للدولة والمتضررين.

ودعا علييف روسيا إلى "الإقرار بالذنب وتقديم اعتذار (...) لأذربيجان التي تعد دولة صديقة، وتقديم معلومات بشأن الحادثة العامة". وقال علييف إن الاعتذار تحقق السبت، مع بقاء شرطي الإقرار والتعويضات، حيث أملت المصادر أن تتم تلبيتهما.

 

حتى نبأ انفجار أسطوانة أكسجين على متن الطائرة والذي نقلته وسائل إعلام روسية كذبه موقع "أزي ميديا" الأذري. والتكذيب جاء في تقرير تحت عنوان لافت: "موسكو في ضباب من الأكاذيب".

 

يبدو أن العلاقات بين روسيا وأذربيجان على وشك دخول مرحلة من المطبات السياسية القاسية.

 

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/15/2025 8:43:00 PM
 خلف الحبتور: في موقف يعكس غطرسة لا حدود لها، يخرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليأمر سكان غزة بإخلاء مدينتهم، وكأنها ملك له يوزع أهلها كما يشاء
المشرق-العربي 9/12/2025 12:25:00 PM
إقفال منتجع "إكس بيتش" في منطقة وادي قنديل في محافظة اللاذقية.
شمال إفريقيا 9/15/2025 11:56:00 AM
محاكمة سيدة متهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا
لبنان 9/14/2025 2:53:00 PM
 تغيير مسار طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة من بيروت إلى مطار هيثرو في لندن بسبب عارض صحي أصاب أحد الأطفال