تميم سباعي في "غاليري كليم بشارة"... بين "الفتاة ذات القرط اللؤلوئي" وصراخ التعبيرية

منصور الهبر
يعيد تميم سباعي قراءة لوحة فيرمير، "الفتاة ذات القرط اللؤلوئي" (Girl With a Pearl Earring)، لا بوصفها موضوعًا للتقليد، بل ساحة مواجهة بين الصمت الكلاسيكي والعاصفة المعاصرة. فالسكينة التي تغمر اللوحة الأصلية تتشظّى هنا تحت وطأة اللون، ليُعاد تركيبها كطاقةٍ نابضة، وخامةٍ حية تتنفس الانفعال وتفيض بالحركة.
سباعي لا يستعيد فيرمير، بل يختبره، يضعه تحت مجهر التعبيرية ليقيس به نبض زمننا، حيث الجمال لا يعود هدوءًا، بل تمرّدًا على الهدوء.
كما فعل بيكاسو حين واجه فيلاسكيز في سلسلة "لاس مينيناس" (1957)، يذهب سباعي إلى إعادة اكتشاف الأصل عبر التدمير، فيحول "الفتاة" إلى مرآة لهويته التشكيلية، وإلى ميدانٍ لإعادة طرح أسئلة الرؤية والواقع والتمثيل. كل لوحة عنده ليست استعادة بل استجواب، وكل بورتريه هو معركة بين الرغبة في الإمساك بالشكل والافلات منه في آنٍ واحد.
في بورتريهاته التجريدية، تتقاطع الذات والآخر، ويتحوّل الوجه إلى ساحة انفعالٍ مشترك، حيث يتماهى الفنان بموضوعه حتى التلاشي. إننا أمام بورتريهات مزدوجة: وجوه مرسومة، ووجهٍ خفي للفنان ذاته. ومن خلال هذا التشابك، يغدو العمل حوارًا بين الداخل والخارج، بين العاطفة واللون، بين الجسد كذاكرة والمادة كإفصاح.
يمزج سباعي بين الجمال التاريخي والفوضى المعاصرة، فيعيد تفكيك بنية فيرمير: الشكل، الخط، الإيقاع، والعلاقات اللونية، لتخرج التحفة الكلاسيكية من صمتها إلى مختبرٍ تعبيريّ. هناك، تتبدّل العناصر إلى طاقات متوترة، حيث يسكن العنف جوار الفكاهة، ويتعانق التشويه مع السرعة والإيجاز. وتقف بعض لوحاته فعلًا على تخوم التجريد الخالص، وكأنها تتردّد بين الاعتراف بالشكل ونفيه.
مع ذلك، لا تنجو التجربة من تفاوتٍ في النتيجة. فبعض الأعمال، على جرأتها، تفقد شيئًا من وحدتها الإيقاعية، وتكسر انسجام المعرض ككلّ. وهنا تبرز ضرورة النظرة النقدية لدى إدارة الغاليري في اختيار الأعمال، لا من باب الإقصاء، بل من باب الحرص على الإيقاع العام للعرض، وعلى وحدة الأثر التي تميّز المعارض الناجحة.
تميم سباعي، المولود في دمشق عام 1991، يعيش ويعمل في برلين. تخرّج في كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 2014، ونال الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة الفنون في برلين (UDK) عام 2018، في صفّ الأستاذ بوركارد هيلد.