بعد أن ظلّ الاهتمام بها هامشياً خارج آسيا، اندفعت الدراما التلفزيونية الكورية (K-dramas) وأفلام كوريا الجنوبية أخيراً إلى قلب المشهد الثقافي العالمي؛ ومن الجوائز إلى المشاهدات العالية، تحوّل الإنتاج الكوري إلى ظاهرة عالمية.

فيلم بونغ جون-هو "Parasite" دخل التاريخ عام 2020 بفوزه بأربع جوائز أوسكار، من بينها جائزة أفضل فيلم، فيما حصد مسلسل نتفليكس "Squid Game" ستّ جوائز إيمي في عام 2022. هذا النجاح يعكس موجة غير مسبوقة من نجاح المحتوى الكوري خارج السوق المحلي. ويشير محلّلو الصناعة إلى أنّ "الموجة الكورية" الإقليمية (أو الهاليو/Hallyu) التي بدأت في أوائل الألفية، قد تحوّلت بحلول منتصف العشرينيات إلى ظاهرة ثقافية عالمية متكاملة.

دور مفصلي لمنصات البثّ
أحد أبرز محرّكات الصعود الكوري العالمي هو ظهور منصات البثّ التي أزالت الحواجز التقليدية أمام التوزيع. وقد أدّت نتفليكس"، على وجه الخصوص، دوراً محورياً في إيصال الدراما والأفلام الكورية إلى الجمهور الدولي، إذ كثّفت خلال العقد الماضي شراء وإنتاج المحتوى الكوري. ورهان "نتفليكس" على "Squid Game" أرسى إستراتيجية توالت معها أعمال كورية أصلية أخرى مثل "All of Us Are Dead" و"Extraordinary Attorney Woo"، والتي تصدّرت قوائم "نتفليكس" غير الناطقة بالإنكليزية في عشرات الدول.

مشهد من “All of Us Are Dead“. (نتفليكس)

في عام 2021 وحده، استثمرت الشركة 463 مليون دولار في الإنتاجات الكورية ضمن سلسلة من الأعمال الأصلية الناجحة. وفي نيسان/أبريل 2023. وبحسب تقرير حديث، فإن أكثر من 60% من مشتركي "نتفليكس" البالغ عددهم 280 مليوناً شاهدوا عملاً كورياً على المنصة. ومنذ عام 2021، لم يخلُ أي أسبوع من وجود عمل كوري واحد على الأقل في قائمة "نتفليكس" العالمية للأعمال غير الناطقة بالإنكليزية، عزّزه دفق المحتوى الكوري، مدعوماً بالترجمة والدبلجة بلغات عدّة.

إستراتيجية التصدير الثقافي
يقف خلف هذا الازدهار الترفيهي ما يُعرف باستراتيجية التصدير الثقافي التي تبنتها كوريا الجنوبية بوعيٍ عن قصد. منذ أواخر التسعينيات، رأت سيول في الإعلام والثقافة الشعبية فرصة قوية للانتشار عالمياً، خاصة بعد نجاح الدراما الكورية إقليمياً في الصين واليابان وجنوب شرق آسيا.

الأرقام تؤكد نجاح هذه الاستراتيجية، إذ قفزت صادرات المحتوى الكوري من 1.31 مليار دولار عام 2005 إلى 13.34 مليار دولار عام 2023. بمعنى آخر، تحوّلت كوريا الجنوبية من مستوردٍ للترفيه إلى أحد أبرز المصدّرين عالمياً. وبعد أن كانت تُعرف أساساً بإلكترونياتها وسياراتها، أصبحت اليوم تنتج ملكيات فكرية مطلوبة عالمياً في الموسيقى والألعاب والتلفزيون والسينما.

الجماهير العالمية والديموغرافيا
بعد أن كان جمهور الدراما الكورية متركزاً في شرق وجنوب شرق آسيا، انفجر الاهتمام بها خلال السنوات الأخيرة في أميركا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، وقد قال أحد التنفيذيين في شركة الإنتاج العملاقة "CJ ENM" لوكالة "رويترز": "الهند وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، على وجه الخصوص، أسواق واعدة للمنتجات الثقافية الكورية التي أثبتت نجاحها العالمي".

مشهد من “Extraordinary Attorney Woo“. (نتفليكس)

يستحوذ المحتوى الكوري على قلوب جيلَي الألفية و"زد"، ويظهر حماس الفئة هذه على وسائل التواصل، حيث يصنع المعجبون العالميون ضجة واسعة عبر "الهاشتاغز"، "الميمز"، وصفحات المعجبين، وهو ما يساهم في إبقاء شعبية المسلسل حيّة، جاذباً مزيداً من المشاهدين الجدد.

الأثر اقتصادي وثقافي معاً: مليارات الدولارات، ملايين المشتركين، ونقاشات واسعة حول تنوّع السرد والتبادل الثقافي. ومع المشاريع الكبرى المقبلة، تعزز الحكومة والشركات استثماراتها في هذه الصناعة التي غدت واجهة وطنية، وقد تحوّلت الدراما والسينما الكورية من موجة شرقية إلى ركن أساسي في المشهد الثقافي الدولي.