الدبلجة بالعربية... صناعة تتحوّل إلى ذهب رقمي في زمن المنصات

اقتصاد وأعمال 19-09-2025 | 06:30

الدبلجة بالعربية... صناعة تتحوّل إلى ذهب رقمي في زمن المنصات

من الكرتون إلى نتفليكس، الدبلجة تتحوّل إلى صناعة كبرى في الشرق الأوسط.
الدبلجة بالعربية... صناعة تتحوّل إلى ذهب رقمي في زمن المنصات
مشهد من “Extraordinary Attorney Woo“. (نتفليكس)
Smaller Bigger

في العقد الأخير، تطوّرت صناعة دبلجة المسلسلات في الشرق الأوسط من مجرد خدمة موجّهة إلى الأطفال إلى قطاع ثقافي وتجاري متنامٍ، يواكب التحوّلات التكنولوجية وتغيّر عادات المشاهدة. ومع انتشار منصات البث الرقمي مثل "شاهد" و"نتفليكس"، صار الصوت العربي بوابة رئيسية لجذب جمهور ضخم يتعطش إلى محتوى يفهمه بلغته ويشعر أنه يعكس ثقافته.

الجمهور العربي، ولاسيما منه الشباب، هو المحرك الأساسي لهذا الطلب. تُظهِر تقارير أن منصة "شاهد" تتصدر سوق البث الإقليمية بحصة تقارب 22 في المئة، متقدمة على "نتفليكس"، ما يعكس رغبة متزايدة في محتوى مُعرَّب أو مدبلج يلبّي الذائقة المحلية. ذلك أن الشباب الذين يقضون ساعات طوال على المنصات لم يعودوا يكتفون بالكرتون أو أفلام الأطفال، بل يتابعون بشغف المسلسلات الكورية الجنوبية والتركية والمكسيكية بعد تقديمها بصوت مألوف.

 

مشهد من “Squid Game“. (نتفليكس)
مشهد من “Squid Game“. (نتفليكس)

 

كان لبنان مركزاً رائداً في هذا المجال منذ البدايات مع شخصيات مثل نقولا أبو سمح، الذي أسس "فيلملي" (Filmali) لتصبح لاحقاً "ديف كات ستوديوز" (DeafCat Studios). هذه الاستوديوهات، إلى جانب شركات مثل "آي بي إتش ستوديوز" (IPH Studios) و"سكرينز إنترناشونال" (Screens International)، أسّست بنية إقليمية واسعة، إذ تمددت من بيروت إلى مصر والأردن والخليج. وتعكس هذه الشبكات انتقال الصناعة من محلية محدودة إلى نشاط إقليمي منظم.

وما لبثت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أن دخلتا القطاع بثقل، انسجاماً مع خططهما لتنويع الاقتصاد وتعزيز الإعلام والترفيه، ما جعلهما وجهتين جاذبتين لشركات الدبلجة العالمية. تتمتع الإمارات بمشهد متطوّر في مجال خدمات الدبلجة، خصوصاً في مدينتي دبي وأبو ظبي حيث تنشط شركات، مثل "إكياتي سوليوشنز" (Ekitai Solutions) و"فوكس دابز" (VoxDubs)، في تقديم خدمات الترجمة الصوتية والدبلجة الاحترافية لمجالات متنوعة تشمل الأفلام والمسلسلات التعليمية والإعلانات التجارية. أما في السعودية، فيشهد قطاع الدبلجة نمواً متسارعاً مع حضور شركات، مثل "فويس مونك" (VoiceMonk) و"إكياتي سوليوشنز" و"ديف كات ستوديوز"، التي توفر خدمات الترجمة والتكييف الصوتي والأداء والتسليم النهائي للأفلام والمسلسلات والألعاب.

 

مشهد من “All of Us Are Dead“. (نتفليكس)
مشهد من “All of Us Are Dead“. (نتفليكس)

 

لكن هذا التوجه – وخصوصاً الابتعاد عن العربية الفصحى إلى اللهجات المحلية للدول العربية – يفتح تحدّيات ثقافية، منها كيفية نقل العلاقات أو الروابط أو الحوارات من دون الاصطدام بحساسيات المجتمع، فضلاً عن إعادة كتابة النصوص بما يراعي معايير الحشمة والتمثيل الجندري المتحفظة في بعض الدول. وهكذا لا تكون الدبلجة هنا تقنية فحسب، بل كذلك عملية إعادة صياغة ثقافية كاملة.

عالمياً، تكشف الأرقام حجم الفرصة. تقدّر تقارير تستند إلى بحوث تسويقية مستقلة حجم سوق الدبلجة بين 3.5 وأربعة مليارات دولار في 2023-2024، مع توقع بلوغها نحو سبعة إلى 7.5 مليارات بحلول عام 2033، وبمعدل نمو سنوي مركب يراوح بين سبعة وتسعة في المئة. أما على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، فقد أشارت دراسة متخصصة إلى أن حجم السوق بلغ نحو 58 مليون دولار عام 2023، مع معدل نمو سنوي يقارب 6.2 في المئة حتى عام 2030. ومع تواضع هذه الأرقام مقارنة بالسوق العالمية، إلا أنها تعكس إمكانات هائلة في منطقة يُتوقَّع أن تكون بين الأسرع نمواً في استهلاك الترفيه الرقمي.

 

مشهد من “Queen of Tears“. (نتفليكس)
مشهد من “Queen of Tears“. (نتفليكس)

 

ويضيف التحوّل التكنولوجي بُعْداً جديداً. إذ بدأت استوديوهات عدة باستخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحسين الإنتاجية وخفض التكلفة، من خلال أنظمة لتحويل النصوص إلى كلام يصبح أكثر واقعية. لكن الصوت البشري، بمرونته وقدرته على التعبير العاطفي، يبقى الركيزة الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها. وليس الجدل حول هذا التوازن محلياً فقط، بل عالمي، إذ تشهد صناعة الدبلجة في الغرب مواجهات بين شركات تعتمد الذكاء الاصطناعي ونقابات تدافع عن الأصوات البشرية.

يُعَد تحوّل الدبلجة إلى "سلعة ذهبية" في المنطقة انعكاساً مباشراً لاندماج الشرق الأوسط في الاقتصاد الرقمي العالمي. المنصات تتنافس، والشباب يتطلبون محتوى معرباً، والحكومات تدعم قطاع الإعلام من ضمن استراتيجياتها لتنويع اقتصاداتها. هذا التداخل يجعل من الدبلجة صناعة إبداعية واستثمارية في آن واحد، ومن المرجح أن تتحوّل خلال سنوات إلى أحد أعمدة الإعلام العربي الجديد، إذ يكون للصوت العربي – بكل لهجاته – موقع لا غنى عنه في المشهد العالمي للمحتوى.

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/15/2025 3:17:00 PM
طائرة مستأجرة تضم فلسطينيين تختفي عن الأنظار ثم تهبط فجأة في جوهانسبرغ بظروف غامضة.
النهار تتحقق 11/15/2025 9:19:00 AM
"تقول السلطات إن الأمر كله مرتبط برجل واحد متهم...". ماذا عرفنا عن هذا الموضوع؟  
لبنان 11/15/2025 11:45:00 AM
وثّقت الحادثة كاميرا المراقبة، فيما لاذ المعتدي  بالفرار