فيليب فرحات في "غاليري شريف تابت": لحظة وحدة
منصور الهبر
على الرغم من ارتباط منجزات فيليب فرحات بالفن الحديث، إلا أنّها تخفي في طياتها بعداً كلاسيكياً وآخر رومانسياً، يبدوان كصدى خفي أو إيقاع داخلي متوارٍ. فالكلاسيكية تتجلّى في التزام الفنان قواعد صارمة في توزيع العناصر على امتداد أعماله، وفي حرصه على صوغ التأليف "كما يجب أن يكون". أما الرومانسية، فتنكشف في نزوعه إلى الحرية، وفي شحن أعماله بالعاطفة والانفعال الشخصي، إلى جانب المأساة الجامحة والدراما التي تتجسد في الألوان الحادة. إنّ الجمالية التي يقترحها أمامنا ليست سوى تجربة فردية وصرخة تعلن كارثة إنسانية.
أصوغ هذه الملاحظة تحديداً عند تأملي عمله الفني "So our separation made us one"، الذي استدعى في ذهني لوحة "طوف الميدوزا" لثيودور جيريكو، المنجزة عام 1819 حين كان في السابعة والعشرين من عمره. تلك اللوحة التي تصوّر غرق سفينة وما تلاه من نجاة بعض الأشخاص الذين ظلوا يصارعون الموت في عرض البحر، حتى بلغ بهم الأمر إلى أكل لحوم البشر للبقاء على قيد الحياة.

وإذا كان المفهوم الجوهري للتراجيديا يرتبط بصراع الإنسان مع العنف المسلط عليه من المجتمع أو الطبيعة، أو حتى من ذاته الداخلية، فقد كان لا بدّ لي أن أستقصي الدافع لدى فرحات لإفراغ كل هذا الكم من الحزن والألم.
اقرأ أيضاً: شريف مجدلاني ضمن اللائحة الأولى لجائزة "غونكور" 2025
فأجابني قائلاً:
"الحياة قاسية. وحبّ المسيح لنا جلب له الجلدات والصلب. أعيش حياة سعيدة ولكن لا أخفي أنّ إحساسي بمأساة الآخرين حادّ، كلّما أدركت حجم الصعوبات التي يتعرضون لها هنا في لبنان، وفي غزة وسوريا وسائر أصقاع الأرض... الفن هو تظهير لمأساة البشرية."

قد يُقال إنّ أعماله محشوة بالعناصر، أو إنّ الفنان أسير طقس فني واحد يدور في فلكه، غير أنّ هذا لا يحجب قدرته على التحكم في التوليف، وعلى مزج اتجاهات متعددة أضفت على منجزه غنى بصرياً وفكرياً يعكس انفتاحاً على أكثر من أسلوب. إنّ التعدد ليس دليلاً على الوهن، ما دام الفنان قادراً على إدارته بمهارة وصوغ وحدة جمالية جريئة، وقد أفلح فيليب فرحات في ذلك في معظم أعماله.
نبض