الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"على صفيح ساخن": الرائحة الكريهة

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
من اليمين سلوم حداد وأمل بوشوشة وباسم ياخور.
من اليمين سلوم حداد وأمل بوشوشة وباسم ياخور.
A+ A-
دراما سورية موجِعة، شخوصها على الفوهة، يجمعهم غليان الحرب غير المرئية، المطلّة برأسها على شكل تحوّلات اجتماعية مخيفة وفضائح بالجُملة. يقدّم "على صفيح ساخن" (كتابة يامن الحجلي وعلي وجيه، إخراج سيف السبيعي، "غولدن لاين" و"آي سي ميديا") الواقع السوري ما بعد الحرب، بوجوهه الممزّقة وشرايينه المقطوعة. تغيب القذائف وصوت الرصاص، لتعلو مكانها الأصوات الداخلية. المسلسل مُتقدِّم في المنافسة الرمضانية، له مكان مُستحَق، نصّه يسير على الأرض، تفاصيله ناطقة بمشهديات مُرّة. ينطلق من الخاص (عائلة الحجّار وتفكّكها) إلى العام: الاحتراق السوري ما بعد الحرب المُدمِّرة.
 
 
كلّ شخصية قضية، ولا شخصيات لملء الفراغ. كلّها مُعذَّبة، أكانت جلّاداً أم ضحيّة. تتألّف عائلة الحجّار من هند (أمل بوشوشة) وهلال (باسم ياخور) وهاني (ميلاد يوسف). ثلاثة أدوار رائعة، هي اختزال لشرذمة البيت الواحد حين يتعلّق الأمر بتكبير حجم الطموح ودوائر الأحلام. الأروع أنّ ثنائية ياخور- بوشوشة، ليست عاطفية. الأخوّة بينهما تُمرّر رسائل أقوى. فماضيهما كان شيئاً وأصبح شيئاً آخر مختلفاً كلياً. اليوم هما الندّ بالندّ. قويّان في الأداء، هو بضميره وأخلاقه وخوفه على ما تبقّى من العائلة، وهي بانكسارها وخذلانها واستعدادها للتعويض بأي ثمن. ثنائية من المجتمع السوري (بوشوشة بلهجة سورية مُتقنة، لا تترك مجالاً لتذكًّر جنسيتها)، سدّدت أقساطها، لكنّ الحياة الطمّاعة لم تتركها وشأنها. وفيما هلال يرمي نفسه بوجه المدفع كطلقة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يداً بيد مع هاني، الطبيب المتنقّل بين خيبات المهنة وقلّة تقدير الكفاءة؛ تسير هند بطريق عكسيّة، مقدّمة نفسها طعماً لأعداء الدين والوطن، المتستّرين بعباءة طاعة الله والعمل الخيري (جمعية) أو التجارة الشريفة (حلويات)، لتبييض الأموال والابتزاز وتغيير هوية سوريا المتعدّدة، وجرّها نحو التشدّد، وإحكام السيطرة عليها.
 
 
المسلسل ليس فحسب أفراداً حاولوا النفاد بريشهم بعد حرب طاحنة، فاصطدموا بذيولها، هو أيضاً أحوال بشرية متقلّبة، وحالة مجتمعية معقّدة. مليء بالتناقضات: الكبار مقابلة "الصغار"، الأغنياء مقابل الطبقة السحيقة، وتجار المخدّرات وفعل الجريمة، مقابل الأوادم والمعتّرين.
 
 
 
عبدالمنعم عمايري وباسم ياخور، اختزال درامي متفوّق لثنائية الشرّ والخير، وسوريا بين الجناة والضحايا. يأتي ذلك فيما عالم المكبّات يمثّل فضيحة أخلاقية متعلّقة بالاستغلال وانتهاك الطفولة والموت البطيء. لا مُتنفّس في المسلسل، نوافذه تقريباً مغلقة، باستثناء حبّ بريء يولد من باطن الأسى، يجسّده بمهارة سليمان رزق وجنا العبود. الأخيرة بدور تمارا، اكتشاف ثمين للدراما السورية. ورقة المخرج سيف السبيعي الرابحة، بعفويتها وشبابها الموجوع، وآثار الحرب على مستقبلها. ممتازة بمشهدية جيل ما بعد المعارك الطاحنة. قَصُّ شعرها انتقاماً من والدها، ووضعها الشعر المستعار حين تجرّأت على الطلب من حبيبها أن يتزوّجا "خطيفة"، ومواجهتها الوالد بالظنون والعتاب والأسئلة المُعذِّبة حول موت والدتها، مَشاهد أكّدت قماشة الموهبة وإمكان تصديقها والثقة بها.
 
 
 
الطاعون (سلوم حداد) هو والد تمارا في عمل يحمل دلالات وعِبراً. عظيم الدور، بتفاصيله، وكيفية تجسيده، والغاية من الشخصية. هنا الرائحة الكريهة للواقع الأشدّ كراهية. أطنان من النفايات يعشش بينها بشر على هامش الحياة، لا اعتراف بهم، يموتون كالبرغش. هم الأرقام المنسيّة. والوجه اللاإنساني للعدالة الزائفة. يحبِك المسلسل الشخوص باتقان، وعياش (يامن الحجلي بدور ممتاز) من بين الأدوار اللافتة. ممثل محترف، بشكله المختلف، بمحاولاته النجاة وفق مبدأ البقاء للأقوى، مع الأخذ في الاعتبار شريعة الغاب الممتدّة على مساحات واسعة، حيث الكبار يلتهمون الصغار بلقمة، ولا مفرّ من الأفواه الجائعة.
 
اقرأ أيضاً: الأستاذ سلوم حداد!
 
 
 
نظلي الرواس بشخصية أم كرمو المحجّبة، في محاكاة للنفاق الاجتماعي والتلطّي خلف شعارات دينية. تشكّل مع زوجها أبو كرمو (عمايري) نموذجاً للرياء والانتهازية والوصول بالدعس على الكرامات. هو الحلونجي، الذي يدسّ المخدرات في حلوياته، فيكسب أرباحاً خيالية؛ وهي رئيسة الجمعية الخيرية، الزاحفة خلف شراء أرزاق الناس ومصادرة حقّ التجّار ببيع المشروبات الكحولية. في النهاية، النتيجة واحدة: فساد مقنّع وأيادٍ ملطّخة، وضمائر ميتة.
 
 
وهناك أيضاً نسيم (المخرج سيف السبيعي)، المتورّط هو الآخر بالممنوعات والتزوير. طعناته في خاصرة زوجته هند هشَّمت روحها. تتمسّك أمل بوشوشة بكلّ التعابير المطلوبة، فهي الطمّاعة والمجروحة، والمتمرّدة والمكسورة. والعنيدة حين يتعلّق الأمر بمصالحها. ككلّ الشخصيات (شادي الصفدي، يزن الخليل، تسنيم باشا...)، تملأ مكانها بجهدها، فتشكّل إضافة. الرائعة سمر سامي، كلّ الورود وعطرها.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم