الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

سمر سامي... سوريا على حقيقتها!

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
سمر سامي في شخصية شمس الموازيني.
سمر سامي في شخصية شمس الموازيني.
A+ A-
تؤكّد سمر سامي في "على صفيح ساخن" بأنّ المَشاهد القليلة لا تعني الحضور القليل. تمرّ بدور صغير، لكنّه عظيم. هي شمس الموازيني، سليلة عائلة شامية عريقة، والمُحمّلة بوجع الذاكرة. يمنحها المسلسل دوراً مركّباً وشخصية استثنائية. امرأة عالقة في ماضيها، تجرّه معها إلى يوميات غير مفهومة، تعيشها "من قلّة الموت"، وتسقيها من نوستالجيا مضى العُمر عليها، لكنّه لم يُجفِّف عروقها. ترفض الشخصية التجاوُز وطيّ الصفحة. لا تزال هناك، في المجد الغابر، وفي أطلال تحوّلت أذى نفسياً. ساحرة في الدور. تخلع عنها حقيقتها وأدوارها السابقة، فتمنحه صدقاً بديعاً.
 
 
يُركّب المسلسل (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي، إخراج سيف السبيعي، "غولدن لاين"، و"آي سي ميديا") شخصيات فريدة من نوعها، لكنّ سمر سامي مسألة خاصة. تذهب إلى النهاية في دورٍ مؤلم، تحوّله اختزالاً لأثمان الحرب السورية المُكلفة. تجد في هلال الحجار (باسم ياخور وهو يقدّم أجمل مَشاهده معها) رفيقاً يتيح لها البوح بمكنوناتها، من دون إدانة أو مقاطعة. كلّ طرف يجد في الآخر طريقاً إلى أعماقه المنسيّة، فتكون الصداقة علاجاً لحزن الروح.

 
سمر سامي هي سوريا على حقيقتها، مكويّة بنار لا تكفّ عن إحراقها. أحبَّت رجلاً انشغل عنها بالتظاهرات والوعي السياسيّ، فاغتيل قبل يومين من عرسهما، ومنذ ذلك الوقت، تعيش أسيرة هذه الفاجعة. على العشاء مع هلال، في مطعم يدغدغ ماضيها، تنطلق شمس في التذكُّر من دون توقُّف. مشهدية سينمائية مذهلة، بطلتها امرأة تعجز السنوات عن شفائها. بحوار هو الأكثر بلاغة ودلالة، وبتلك الضحكة الصفراء الرهيبة، تفتح أمامه دفاترها: "كان عندي كلّ شي. كان ناقصني أهم شي بالحياة، إنّي حبّ واتزوّج يلي بحبه"، وتكمل بوجع السوريين جميعاً، أنّ الحبيب صارحها بحبّه، لكنّه أحبَّ سوريا أكثر منها، وتمنّى لها الخير والكرامة. لم تشعر آنذاك بالغيرة. إلى أن اغتيل. "كان زاعج الكلّ"، فلم تعرف الجهة المُجرمة. بقي نجم التظاهرات حياً فيها، تغسل له بزّته الرسمية وتكويها مرّة في السنة، ثم تعيدها إلى الخزانة، حيث الدفء والطمأنينة. هنا الحبّ والحرب بتجليات مأسوية، تنسحب على شعب بأكمله في الوطن والغربة، محاكية التمزّق والشرخ وجحيم الخسائر.
 
 
 
راحت تغنّي بعد جلسة العشاء- البوح، يداً بيد مع هلال، وهي ترى فيه إعادة إحياء لمشاعر قديمة، ليس بالضرورة أن تكون غرامية، إذ يكفي أن تلامس روحها. امرأة في لحظة استعادة نادرة، تسير ليلاً مع رجل يتفهّمها، وتسأله أن يدندن معها: "يا دنيا يا غرامي، يا دمعي يا ابتسامي". تراجيديا الحياة في لقطة.
 
يا لتفاصيلها، بالشعر المستعار الملوّن، ببحّة الصوت الجريح، بالعينين المهزومتين، بالضحكة الجبّارة الكئيبة! خليط مذهل لثنائية الحبّ والسياسية حين تُلحِق بالمرء هزيمة، فلا يبقى سوى الندب. تشكّل واقعَ السوري المغرّب وصراعاته الممتدّة على مساحة الأرض. سلطانة المواجع الإنسانية.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم