الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

انفجار 4 آب: فرصة الخلاص التي تغاضى عنها السياسيون

المصدر: "النهار"
مرفأ بيروت (أرشيف "النهار").
مرفأ بيروت (أرشيف "النهار").
A+ A-
خضر حنّوش


لست ضليعاً بالقانون، فكل ما أعرفه لا يُعدّ أكثر من جزيئيات الثقافة العامة. لكن كم كان يحلو لي أن
أكون محامياً لأقف أمام عدالة قاضٍ في الأرض، وأن أملك شجاعة الممثل القدير الراحل أحمد زكي في فيلمه "ضد الحكومة". دخل زكي قضية حادثة القطار طمعاً ببعض المال، لكن ارتطم بإصابة ابنه في الحادثة، فكان المتضرر الأول منها. أوليس ضحايا الرابع من آب أخوتنا وآباءنا وأمهاتنا وأبناءنا وبناتنا؟ كنت أود أن أملك شجاعة زكي بالقول: أليس هؤلاء السياسيون بشراً مثلنا؟ أليسوا خطّائين مثلنا؟ أم أن ذاك الذي يسرق ليعيش مذنب، وهم ملائكة معصومون عن الخطأ؟

لا شك أن جريمة 4 آب مصيبة كبيرة حلت على لبنان. لكن فلنتصوره على أنه الخلاص للبنان. وهنا أعتذر من كل أم وأب وطفل وأخ وأخت خسر أحداً يحبه في الانفجار. أي أنانية عندي أن تكون مصيبة الآخرين خلاصاً لوطن. أقصد بالخلاص أن يعي المسؤولون هول الكارثة. أن يوقظوا ضميرهم النائم، أو للحقيقة أن يحيوا ضميرهم الميت. أن يشعروا بمئات آلاف اللبنانيين المتروكين لمصيرهم وسط أعظم أزمة اقتصادية في العالم ستدمر كل شيء عاجلا أم آجلاً.

كنت أظن أنهم عند كل استحقاق سيتستعرضون أمام انفجار 4 آب، فيدركون أن الإهمال الذي ارتكبوه سابقاً لا ينتج سوى خراباً. كنت أظنهم سينتخبون رئيساً للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق. كنت أظنهم سيجرون الانتخابات البلدية، التي استقال العديد من مجالسها فتسلم القائمقامون زمام الأمور. لقد اعتقدت مخطئاً أنهم سيدرسون الموازنات ويقرونها في موعدها. لم أعتقد بعد 4 آب أن موازنة 2022 ستقر في 2022، وموازنة 2023 تدرسها حكومة تصريف أعمال. لقد اعتقدت، وأعلم أني كنت مخطئاً، أنهم سيقرّون القوانين الإصلاحية كي يتعافى الاقتصاد اللبناني.

عند كل سقوط، يتعلم المرء كيف يقف ويسير أقوى مما كان عليه. فالطفل يقع، فيقف ويحاول مرة أخرى حتى يتعلم المشي السوي. لكن أظنهم أقل من أطفال، أو أنهم يوقعون باللبنانيين فيتعلمون كيف يسحقونهم أكثر. كانت 4 آب لتكون فرصة لخلاص لبنان، وحكمة للسياسيين كي يوقظوا ضمائرهم النائمة ويحيوا تلك الميتة، لكنهم أبوا إلا أن يكملوا سياسة إهمالهم. أي خراب هذا! وهل يتوقع العاقل شيئاً آخرَ من خريجي مدرسة الحرب الأهلية؟

كنت أود أن أكون محامياً فأقف بكل جرأة أمام عدالة قاضٍ في الأرض، أرافع عن كل الضحايا طالباً أن يستمع عدالته للمسؤولين المرتبطين بانفجار 4 آب كلهم بصفته وشخصه. حتى رأيتني استيقظ من حلمي، فلا عدالة لقاضٍ في الأرض ولا ضمائر حية لدى المسؤولين. إلا أننا كلنا نعي أن عدالة السماء أقوى. غدا يقف عنصر فوج إطفاء بيروت فتشهد خلايا جلده التي احترقت في 4 آب قبل أن يكون من عداد الضحايا، غداً تشهد فتشير إلى كل مسؤول مهمل أنه كان سببا مباشراً أو غير مباشر. والذي يهرب من عدالة الأرض، ويله من عدالة السماء فعند الله يجتمع الخصوم.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم