الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

التفكّك الأسري

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
أنطوني سعادة
 
تُعدّ العائلة مركز الأمان والحماية والصدق للأطفال والأولاد لأنّها سورٌ حصينٌ لحمايتهم والاعتناء بهم، مهما قست الظروف والأسباب. ولكن الكثير من العائلات اللبنانيّة، تمرّ بالعديد من المشاكل والمصاعب، ولا سيّما في هذه الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي يمرّ بها بلدنا الحبيب لبنان. وهذا الأمر قد أدّى إلى حالات تفكّك أسري كالطلاق والهجر والانفصال. فهذه الظواهر تؤثّر في نفسيّة الأطفال وتدمّرهم نفسيّاً ومعنويّاً. فبغياب الأب أو ربّ الأسرة، تغيب الرقابة على الطالب وفرصة توعيته. كذلك، بغياب الأم الحنون التي هي معروفة بصدق مشاعرها، تغيب الرقابة والتوعية. إنّ هذه الحالات كلّها تؤدّي إلى نتائج سلبيّة تضعف بدورها الروابط الأسريّة في مجتمعاتنا. فكيف يؤثر التفكّك الأسري في الرقابة على الأبناء والبنات؟
 
بالنسبة إلى الكثيرين، ولا سيّما الاختصاصيّين النفسيّين، إنّ أوضاع الأسرة تؤثر في أوضاع الأولاد بطريقة مباشرة. قد يكون الولد إجمالاً متعلّقاً بوالديه كثيراً، فلا يستطيع إذن العيش من دونهما أو مع واحد منهما دون الآخر. فالتربية مشتركة بين الأم والأب، إضافة إلى أنّها متكاملة. فالأوضاع السيّئة في العائلة، تدمّر نفسيّة الولد، وتجبره على تحمّل مسؤوليات ثقيلة منذ صغره. وهذا الشعور المليء بالحزن والكراهية سينفجر يوماً ما، وسيؤثر فيه وسيسيطر عليه ويتملّكه.
هذا الأمر، في أغلب الأحيان، يدفع الشباب نحو التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ليهربوا من مواجهة هذه الإشكاليّة التي قد لا يكون لهم ناقة ولا جمل في التسبّب بها. وقد يتحوّلون إلى بركان ينفجر بعد مئة سنة على إطفائه. فيعتمد الطالب الكثير من التهديدات ويتعلم أنواعاً عديدة من التنمّر ليمارسها على رفاقه في المدرسة. وبدلاً من أن يوضح له أهله أنّ ذلك مؤذٍ للآخرين وله أيضاً، وسيؤدّي إلى نتائج مأساوية، يذهبون إلى معالجة المشاكل في ما بينهم وينسون أولادهم، ويتركونهم وحدهم في ميدان هذه الحياة، بغياب مصدر الأمان والطمأنينة.
 
إضافة إلى ذلك، قد يلجأ بعضهم إلى الانتقام من ذواتهم بالدخول في مجموعات سيّئة، تشجّع على التنمّر وأذيّة الآخرين والاعتداء عليهم، وهذا الأمر سيؤدّي حتماً إلى نتائج كارثية كالدخول إلى السجن أو الانحرافات في مختلف المستويات، التي قد تصل أحياناً إلى تعاطي المخدّرات، ما قد يؤدّي إلى موت بعضهم بجرعات زائدة. وهذا ما قد يدفع أيضاً بعض الأطفال إلى الظنّ أنّ العائلة التي كانوا يحلمون بها هي فقط مجرّد حلم. وهذا ما قد يدفع أيضاً بعض المراهقين إلى التفكير في الانتحار ووضع حدّ لحياتهم، أو حتّى أحياناً تعنيف أنفسهم للتخفيف من غضبهم وكرههم. إذن نستنتج أنّ قسماً من الناس يرى أن الأوضاع الأسرية تؤثر سلباً في الطفل وتدمّره.
 
في الجهة الثانية، هنالك قسم آخر من الناس، يرى أنّ الأوضاع العائليّة لا علاقة لها بالرقابة على الأبناء. فالولد مسؤول عن نفسه مهما بلغت سنّه، وهذا الأمر متعلّق بالنظام الغربي الذي يعتمد ويقرّ بأنّ الأسر لا علاقة لها بتربية الأطفال بل القوانين والأنظمة هي التي تعلّم الأطفال وتشدّد الرقابة عليهم. فبعضهم يعتقد بأنّ المدارس والاختصاصيّين النفسيّين يقومون بواجباتهم على أكمل وجه، ويساعدون الولد في البوح بمشاعره وأحاسيسه وخواطره، الأمر الذي يساعد على التخفيف من وطأة الكارثة، ويجعل الولد واعياً، وأكثر قدرة على تحمّل المشاكل التي تمرّ بها العائلة.
 
وهناك الكثير من العائلات التي تقع فيها المشاكل، تعتبر أنّ الأولويّة للأطفال فقط وليست للخلافات والتجاذبات، فعلى الرغم من وضعها السيّئ، يضحّي الأهل من أجل أبنائهم. هذه التضحية هي الرقابة والتوعية عينها، وهذا ما يحصل في المجتمعات الراقية وعندما يكون الأهل متعلّمين ومثقّفين. لذلك في هذه الحالة، لن يؤثر الوضع العائلي الضيّق في الولد وسيكون بكامل ثقته ولن يقدم على ممارسة الأعمال العنفية.
 
إنّ الأسر التي تقوم على هذه المبادئ، ستكون سبّاقة في الرقابة والتوعية، مهما حصل ومهما قست المشاكل والخلافات.
 
في النهاية، العائلة هي البيت الذي يستريح فيه المرء ويعبّر فيه عن مشاكله وانفعالاته وأحاسيسه. على الأهل أن يتفهّموا أولادهم، وأن يعلموا بما يمرّون به من صعوبات على مختلف الأصعدة الاجتماعيّة أو المهنيّة أو التعليميّة. فالأسرة مسؤولة عن تربية الأولاد، وكذلك المدرسة، والطبيعة التي هي المدرسة الأولى التي يدخلها الإنسان لحظة ولادته الأولى. فالعائلة هي التي تسهم في توعية الأولاد وإرشادهم إلى الطريق الصحيح. فهل تتحوّل الأوضاع الأسريّة السيّئة إلى سبب من أسباب تفكّك الأوطان؟
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم