الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الويل لنا...

المصدر: النهار - عصام ي. عطالله - أستاذ جامعيّ - كاتب وباحث
تحت ظلال أرز الرب، حيث تمتدّ جذورها الى المناطق الأدنى منها، في وطن اسمه لبنان، ولد جبران خليل جبران
تحت ظلال أرز الرب، حيث تمتدّ جذورها الى المناطق الأدنى منها، في وطن اسمه لبنان، ولد جبران خليل جبران
A+ A-
تحت ظلال أرز الرب، حيث تمتدّ جذورها الى المناطق الأدنى منها، في وطن اسمه لبنان، ولد جبران خليل جبران، أحد عمالقة الفكر والابداع، هو من ترجمة كتاباته الى أكثر من 72 لغة في العالم، كأنّي به كان شرارة العولمة التي لم تبصر النور سوى منذ نحو عقدين من الزمن كما نعرفها اليوم، وكاتب النبي ليس موضوع هذه المقالة إنّما ما قاله وكتبه يوماً عن الويلات التي تطال الامم، هو من له لبنانه، ومن أصاب في قوله بأنّ الويل لأمّة "تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر، ويل لأمّة تكثر فيها الطوائف وتخلو من الدين، ويل لأمّة تحسب المستبد بطلا، وترى الفاتح المذلّ رحيماً...ويل لأمّة مقسّمة الى أجزاء وكلّ جزء يحسب نفسه أمّة".
هل هي سخرية القدر، أم هي رؤية إنسان حالم أحبّ وطناً لم يسكنه لكنّه أراد أن يدفن فيه، وقاحة زمن تترجم فيه هذه الكلمات الكبرى الى أفعال وليس كلمات على الورق، والكلمة في فعلها عنيفة وقاهرة، أنّما في الحالة اللبنانية أصبح الكلام لتعبئة بعض السطور في وطن الويلات التي تطاله من كلّ صوب ومن كلّ متسلّط جعل لنفسه كياناً وشعر بأنّ لوجوده أهمّية على حساب الأمّة التي من رحمها ولد، وأراد أن يطعنها ليشعر بوجوده غير مدرك بأنّه بذلك يقوم بالانتحار.
الويل لنا نحن من نتسمّر على شاشات التلفزة لنصغي الى سموم السياسيين الذين يتقاسمون النعوت "الحقيرة" بحقّ بعضهم البعض، حيث الكرامات تزول وتتكسّر على أسفل جسور التواصل لتهزّ كياناتها وتصبح المصلحة الشخصية الأهمّ، ولا همّ إن كان ذلك سيؤدّي الى الدمار الشامل.
الويل لنا نحن كأمّة نتقاذف فيما بيننا وعلى بعضنا الاتّهامات في وطن أصبح لكلّ كائن أو مجموعة حقوق تشرّعها لنفسها، كأنّي بوطن لا دستور فيه ولا نظام ولا كيان، إذ يسمو كيان الجماعة أو الحزب على الكيان الأمّ، وكيف لا يكون الويل لنا.
الويل لنا لأنّنا نصفّق لمن يأكل من جلدنا وأصبحت حالتنا كحالة ذاك النمس الذي أراد أن يشرب دمّ الطريدة التي ذبحها الصيّاد بسكّينه، و بشراهة انكبّ على لحس السكّين فجرح لسانه، ولم يستمتع سوى بطعم الدم الذي يخرج منه، وما كان منه سوى الموت بعدما استنزّفت آخر نقطة دم منه، ولم يشعر بما يحصل له سوى عندما كان الوقت قد فات.
الويل لنا لأنّنا ننزف ولسنا واعين لحالتنا إذ ما زلنا نسمح للمتسلّطين بالقيام بغسل أدمغتنا وتدوير زوايانا بطرق ملتوية ومشبوهة وفاسدة لا بل فاسقة، ووطننا ساحة للصراعات الداخلية والخارجية ومن خلال أدوات محلية، ومصالح غريبة عن ثقافتنا، من دون أن نحاول أقلّه خلق تقارب وتناغم بين مصلحة وطننا والخيارات المتاحة أو التي قد تفرض علينا ككيان من المجتمع الدوليّ في ظلّ عولمة لا يجوز لنا أن نتعامل معها كأنّها غير موجودة أو عدم التفاعل معها بإيجابية، لأنّ في ذلك انتحار وزوال.
الويل لنا إن لم نتعلم لغاية يومنا هذا ما يجب أن نعطيه ونأخذه من وطننا، حيث الأفكار تأتينا من كلّ حدب وصوب، تنهك الوجود وتفعل فعلها فيه، وتغيّره الى ما ليس هو، وتحاول أن تجعل من الكيان مسخاً لكي نرفضه ونحاول بناء كيان آخر لا بل نظام آخر، في وقت يستطيع نظامنا، إن طبّق، أن يكون مثالًا يُحتذى في كلّ الأماكن.
الويل لنا لأنّنا نعيش في زمن الانهيار من دون أن يرفّ جفن من بيدهم زمام المبادرة، وفي غياب تام عن البدء بالإصلاحات المنشودة التي يتطلّع إليها اللبنانيون.
الويل لنا لأنّنا كنّا منارة الشرق وأصبحت بلادنا في هذا الزمن من دون نور.. نفقد ما أنجزه الرجالات الرجال الذين صنعوا مجد لبنان، ونهدم ما بُني منذ قرون في أرضنا، هذه الأرض الحاضنة لأرز الربّ، أرز لبنان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم