الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الصمت المذلّ

المصدر: النهار - عمّار الحيدري
الصمت المذلّ
الصمت المذلّ
A+ A-
على قاعدة "كما تكونون يُولّى عليكم" تستمرّ المشهديّة الأزلية للمسرحيّة الهزليّة على الساحة اللبنانية في فترة هي الأسوء بكلّ المقاييس في تاريخ هذا الوطن، بل هو نكبةٌ ما قبلها وما بعدها نكبة، حيث تستعر نار جحيمها في كلّ الاتجاهات مخلفةً خلفها دماراً لمقوّمات ومقدّرات الوطن على كافة الصعد. فقد بات المواطن في الدرك الأسفل في أجندة السّاسة، وبدل أن يكون الرقم الصعب في المعادلة البنيويّة، وحجر الزواية لنهضة وطنه، بات الحلقة الضعيفة، ورقماً تعدادياً في لوائح الشطب فقط...
لم تَشهد السّاحة اللبنانية من قبل مثل هذا الركود الذي اتّسم به الشعب اللبناني، ومثل هذا الشلل في الجانب المطلبيّ، ومثل هذا الخواء الذي يسيطر على الأجواء العامّة خلافاً لما كانت عليه الساحة اللبنانية بتأجيج المطالب المحقّة، ممّا دفع المراقبين إلى أن يتساءلوا عمّا آل إليه هذا الشعب في التعامل مع المستجدّات التي تعصف بهذا الوطن في الميادين المعيشية والسياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، ومن دون أيّ تحرّك على من يمثّلونه، وهم يُمنّون عليه بأنّهم يعملون لمصلحته، وقد كذبوا بكلّ وقاحة وتجاهلوا المطالب المحقّة، من دون أن يحقّقوا أيّ تحرّك فعّال يُهدّد مصيرهم، لأنهم مطمئنّون إلى أنّ هذا الشعب اللبنانيّ صامت كما لم نعهده من قبل..؟!
فقد انخفض "الناتج المحلي الإجمالي للبنان نحو 55 مليار دولار في 2018 إلى 20.5 مليار دولار في 2021، بينما سجّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد انخفاضاً بنسبة 37.1 في المائة"، علماً بأن "الليرة اللبنانية لا تزال تفقد قيمتها مع بقاء معدّلات التضخّم عالية جداً".
وقد حذر وزير الاقتصاد من أن نسب الفقر والبطالة في لبنان آخذة في الارتفاع، حيث تشير آخر الأرقام إلى أن نسبتهما تبلغ 40 في المئة، و35 في المئة على الترتيب بين الشباب.
لقد اتسعت رقعة الفقر في لبنان على وقع أزماته السياسية والاقتصادية وانعدام خطط التنمية في بلد يبلغ دين الدولة فيه 73 مليار دولار، حيث انعكست الأوضاع السياسية في البلاد على الاقتصاد، وأدّت إلى إحجام الاستثمارات الداخلية والخارجية وإقفال عدد من المؤسّسات، ممّا حال دون خلق فرص عمل للمواطنين، وتزايدت معدلات البطالة.
ويبلغ عدد اللبنانيين تحت خط الفقر 1,5 مليون مواطن، وعدد اللبنانيين فوق خط الفقر 2,5 مليون نسمة، إضافة إلى 178,200 لاجئ فلسطيني تحت خط الفقر، و91,800 لاجئ فلسطيني فوق خط الفقر، في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجّلين لدى الأمم المتحدة بصفتهم لاجئين تحت خط الفقر 720 ألفاً، واللاجئين السوريين المسجّلين فوق خط الفقر 780 ألفاً، وذلك وفقاً لما أوردته دراسة للأمم المتحدة حول الفقر في لبنان تحت عنوان "الحاجات ذات الأولوية".
وأظهرت الدراسة ارتفاع نسبة أعداد الفقراء في لبنان بنسبة 61 في المئة منذ العام 2011 لغاية العام الماضي، وأن 28,55 في المئة من سكان لبنان يعيشون بأقلّ من أربعة دولارات يومياً.
لم تكن الأوضاع الاجتماعية للّبنانيين بمنأى عن الأزمة السياسية في لبنان، حيث أرخى الفراغ الرئاسيّ وتعطيل المؤسسات الدستورية بثقله على الاقتصاد، ممّا دفع عدداً من المؤسسات إلى صرف موظفيها جراء الخسائر التي تكبّدتها، وهو ما رفع نسبة البطالة ومعدّلات الفقر.
وطرحت في الآونة الأخيرة أسئلة عديدة عن سبب هذا الصّمت والخضوع من الشعب لبعض الشخصيّات النافذة، الذين يتبادلون الأدوار، ويستغلّون المشاعر الطائفيّة، ويوهمون الشعب بأنّهم هم الأمناء على مصالح الطوائف، الأمر الذي صدّقه معظم اللبنانيين، الذين سلّموا رقابهم لحفنة من المتاجرين بآلام الشعب الخانع، الذي يعلم حقائق الأمر، ولا يقدّم أي مبادرة ترفع عنه الضغوطات المختلفة التي أصابته في وضعه الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي. ولا نرى أيّ تحرّك فعّال يسترد الكرامة والعنفوان اللذين طالما امتاز بهما اللبناني عن سائر الشعوب الأخرى المغلوب على أمرها.
إن السواد الأعظم من اللبنانيين يُدركون إدراكاً موقناً أن القوى المتحكّمة بالقرار غير مبالية بمطالب وحاجات الناس في هذا العهد، الذي رفع من قبل شعارات كبيرة بأنّه قرّر التصدّي للفساد والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية والمعيشية، وفشل في مطلبه (هذا إن كان صادقاً)، وبات رهين القوى المتنافرة التي تحاول استغلال الفرص للانقضاض على هذا الشعب، وما تبقى من الوطن، وتريد أن تدخل البلاد في مرحلة الفراغ التي لم ترهب أحداً منهم لأنّ الحرص على البلد هو آخر همّهم (ومن بعد حشيشي لا ينبت حشيش).
إن هكذا شعب صامت مخدر يستحقّ مثل هؤلاء المطمئنين إلى استمرار سيطرتهم على مقدرات الدولة طالما أن هذا الشعب مستكين لمثل هؤلاء الذين يقبضون على القرار المصيري، ويمنّنون أنفسهم بأن كراسيهم لن تهتزّ طالما هذا الشعب مخدّر ومسلوب الإرادة، يرتهن لمجهولٍ قاتمٍ ينحر البلاد والعباد على مذبح (فدا الزعيم) مقدّمين صكّ براءةٍ لهم، ودعماً مطلقاً لفعل الأفاعيل بنا دون حسيبٍ أو رقيب في صمتٍ مذلّ.
(إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِم).
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم