الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

إرادة امرأة رائدة

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
إرادة امرأة رائدة
إرادة امرأة رائدة
A+ A-
وحيد الصلح، سياسيّ لبنانيّ، كان اليد اليمنى لعمّه رئيس الوزراء الأسبق، سامي الصلح. ولد عام ١٩٠١ في صيدا، لبنان، وكان أحد أقارب الرؤساء السابقين: رياض الصلح، وسامي الصلح، وتقيّ الدين الصلح، ورشيد الصلح.
تزوّج من منيرة الصلح، ولدت في ١٩ أيلول (سبتمبر) عام ١٩١١، وتوفّاها الله في تشرين الثاني (نوفمبر) عام ٢٠١٠.
هي من النساء المدافعات والرائدات في مجال حقوق المرأة في لبنان، وكانت أوّل إمرأة في لبنان والشرق الأوسط تترشّح للبرلمان. ترشّحت لمقعد في البرلمان في أعوام ١٩٦٠ و١٩٦٤ و١٩٦٨، وهي شخصيّة إنسانيّة في التطوّع والعمل الخيريّ.
أنجبا 5 أبناء: سليم، نجلاء، سالم، سناء ونسيب. اغتيل وحيد الصلح عام ١٩٥٨، عندما كان وزيرًا للتخطيط.
اشتدّت عزيمة السيدة الأرملة بعد الاغتيال الغادر لزوجها الجريء، رغم الأعباء العائلية التي تحوّلت الى عهدتها، مع غياب أيّ سند لها يدفع عنها حياة العوز والشدّة، حتى أنّ الدولة قد حرمتها من تعويضات الزوج، وأقفلت في وجهها سبل الحياة الكريمة!
أبت ورفضت أن ينال منها "سياسيو السوء والقتل الجبناء"، ولجأت إلى القضاء للحصول على كامل مستحقات الزوج المغدور، لكنّها لم تنتظر سنوات طوال من المماطلة والتأجيل في مسرحية "تبادل اللوائح" بين المتخاصمين، الأمر الذي يضيع معه العمر قبل صدور الحكم النهائي، بل توجّهت إلى القاضي الموكل بشكوها، ودخلت عليه عندما كان على "قوس العدالة"، ووضعت أمامه حقيبة يد مفتوحة!
فاجأت القاضي الذي حدّق في عينيها الغاضبتين بعد رؤيته الحقيبة المفتوحة الخالية من كلّ شيء سوى من "مسدّس"، واستوضحها الأمر!
أجابته باختصار مفيد، أنّها أمام حالتين: الأولى، إمّا الحصول على حقوق زوجها البطل المغدور، والثّانية، اللجوء الى ارتكاب جريمة!
حدّق القاضي في وجهها مجدّدًا، ووعدها، بعد صمت طويل وعميق قائلًا: "سوف تنالين حقوق زوجك من هذه العين قبل هذه العين"! عادت أدراجها إلى منزلها شاكرة وعد القاضي الكريم، وتبلّغت بعد فترة وجيزة صدور الحكم العادل، من قاض عادل، قلّ أمثاله!
حصلت السيدة البطلة على كامل حقوقها، لكنّها لم تبذّر الأموال على رفاهيتها مع عائلتها التي نشأت على حياة الاعتدال والشعور مع الآخرين المعوزين، إنّما انتقلت من مدينة بيروت، إلى بلدة برمّانا، وأسَّسَت مؤسسة الأمل لِلمُعاقين في عام ١٩٥٩، وهُوَ أوّل مَركز مِن نوعه في لبنان والعالَم العَرَبي. كَما أسَّسَت في عام ١٩٨٤ جمعية أولياء أمور الأطفال المعوقين عَقلِياً في لبنان، وهِيَ الأولى مِن نَوعها في لبنان.
لست بصدد كتابة سيرة السيّدة الرائدة منيرة الصلح، التي انتقلت لاحقًا إلى العمل الرعويّ الإنسانيّ الأوسع، أي إلى الرعائية العالمية، لكنّني أجد في واقعة مواجهتها للقاضي، أمثولة جريئة للتوصّل إلى تحقيق عدالة كلّ صاحب حقّ مغدور ومقهور، في بلد الفساد والمفسدين، لبنان!
إنّني أنطلق بما أتيت إلى سرده سابقًا، وأتوجه بالكلام الصادق إلى آباء، وأمّهات، وشقيقات، وأشقّاء، وأبناء، وبنات شهداء ومفقودي وجرحى جريمة تفجير مرفأ بيروت المأساويّ الفظيع، للقيام بمبادرات فرديّة وجماعيّة، جريئة ونهائيّة، من أجل معرفة حقيقة من تسبّب بمآسيهم الأليمة، ومعاقبتهم، حتى لا يصبحون ضحايا الزمن الغادر، جرّاء الوقوع في دهاليز التأجيل، واستمرار تخفّي وهروب المجرمين من رفع سيف العدالة فوق نحورهم!


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم