الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

انسحاب أميركا من أفغانستان ساهم بإشعال حرب أوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مشهد من مدينة خاركيف الشمالية الشرقية في أوكرانيا (25 آذار 2022 - أ ف ب).
مشهد من مدينة خاركيف الشمالية الشرقية في أوكرانيا (25 آذار 2022 - أ ف ب).
A+ A-

من بين النقاشات المتواصلة بعد مرور عام على سقوط كابول بيد "طالبان" عقب الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان، تلك التي تدور حول ما إذا كان الانسحاب ضرورياً من الأساس، وما إذا كان يمكن تنفيذه بطريقة أفضل في حال كان بالفعل هدفاً ضرورياً. وجاء اغتيال زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري ليشعل الجدل من جديد حول صوابية القرار الذي اتخذته إدارة بايدن منذ عام. جادلت الإدارة لصالح أنّها ستبقى قادرة على تعقّب الإرهابيين وفقاً لاستراتيجية "ما وراء الأفق" وهذا ما أثبتته حين تخلّصت من زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري.

لكنّ معارضيها قالوا إنّ الانسحاب الأميركيّ سيسهّل على "طالبان" إيواء عناصر من "القاعدة". وهذا ما أوضحه اغتيال الظواهري في أحد الأحياء الفخمة للعاصمة الأفغانية، حيث كان منزله يعود لإحدى فصائل الحركة المعروفة باسم "شبكة حقاني". مع ذلك، ثمة جدل حول ما إذا كانت "الشبكة" على تنسيق مع "الحركة" أو على خلاف معها في هذه القضية، بالنظر إلى أنّ الخلافات داخل "طالبان" ليست قليلة. بما أنّ حرب أوكرانيا التي تكمل قريباً شهرها السادس قادرة على تغيير نظام ما بعد الحرب الباردة، لم يتخلَّ مراقبون عن طرح أسئلة بشأن المساهمة المحتملة للانسحاب الأميركي من أفغانستان في تشجيع روسيا على الغزو.

 

موقف الرأي العام الأميركيّ

أظهر استطلاع في تشرين الأول الماضي، أي بعد نحو شهرين على الانسحاب، أنّ ثقة الأميركيين بقدرة بايدن على إدارة أزمة دوليّة انخفضت في ثمانية أشهر من 60 إلى 37%. وكان الانسحاب من أفغانستان، أو على الأقل طريقة إدارته، أبرز سبب يفسّر سبب فقدان بايدن الكثير من التأييد الشعبيّ.

وفي شباط 2022، وجدت غالبية من الأميركيّين أنّ "ضعف" بايدن كان سبباً للاجتياح الروسيّ. حينها، أشار استطلاع رأي بالتعاون بين "مركز هارفارد للدراسات السياسية الأميركية" وشركة "هاريس" أنّ 59% من المستطلعين رأوا أنّ بوتين تحرّك ضدّ أوكرانيا لأنّه شعر بـ"ضعف" بايدن.

لم تكن الاستطلاعات الأحدث نسبياً مختلفة إلى حدّ كبير. أظهر استطلاع رأي لشركة "تي آي پي پي إنسايتس" أجري منذ نحو شهرين أنّ 53% من الأميركيّين وصفوا تداعيات الانسحاب الأميركيّ بأنّها "انتكاسة جيليّة". أيّد هذا التوصيف 64% من المحافظين و47% من المعتدلين و45% من الليبيراليين. وعن سؤال ما إذا كان الانسحاب من أفغانستان قد أعطى الجرأة لبوتين كي يشنّ الغزو، قال نحو 48% من المستطلعين إنّ هذا الأمر صحيح وقد انقسمت نسبة التأييد على الشكل التالي: 59% لدى المحافظين، و42% لدى المعتدلين و43% لدى الليبيراليين. حتى ولو لم تصل نسبة تأييد هذا الربط إلى 50%، يبقى أنّ نسبة معارضيه لم تتخطّ 21% بينما وصلت نسبة غير المتأكّدين إلى 30%.

الديبلوماسي الدولي البارز ورئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلدت لفت إلى أنّ الكرملين دوّن سريعاً ملاحظاته حول الانسحاب. فبعد فترة قصيرة على وصول طالبان إلى الحكم، قال مستشار بوتين لشؤون الأمن القوميّ إنّ الأوكرانيّين لن يستطيعوا الاعتماد على الولايات المتحدة للبقاء إلى جانبهم لفترة طويلة. وتابع بيلدت أنّه في غضون أسابيع على سقوط كابول، بدأت روسيا تنقل جنودها وعتادها بشكل كبير إلى الحدود الأوكرانية.

 

المجتمع الأمنيّ يؤيّد هذه الفرضيّة

في تقرير مطوّل نشرته صحيفة "واشنطن بوست" تناول اجتماعاً عقد في البيت الأبيض في تشرين الأول الماضي بقيادة بايدن لمناقشة تأكيد الاستخبارات الأميركيّة أنّ بوتين اتّخذ قراره بشأن الغزو، تبيّن أنّ الرئيس الروسيّ أدخل في حساباته الانسحاب "المذلّ" من أفغانستان كعامل رادع لواشنطن عن شنّ حروب جديدة. واستند التقرير إلى مقابلة أكثر من 36 مسؤولاً بارزاً في أميركا وأوروبا وأوكرانيا وأشار إلى أنّ مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز قالت إنّ واشنطن حصلت على "تفاصيل استثنائية" عن حرب بوتين شملت تموضع القوات والأسلحة الروسية والاستراتيجية العملانية وغيرها من المعلومات.

بطبيعة الحال، كانت هناك عوامل أخرى فصاغت توقّعات روسيا بردّ غربيّ خجول مثل انشغال بريطانيا بقضية "بريكست" ومجيء حكومة ألمانيّة غير مجرّبة إلى برلين وانشغال فرنسا بالانتخابات الرئاسية واعتماد أوروبا على الغاز الروسي وغيرها. لكنّ اللافت أن المجتمع الأمنيّ الأميركيّ نفسه مقتنع على ما يبدو بأنّ الانسحاب من أفغانستان ساهم في تغذية حرب أوكرانيا.

 

أهمّيّة السؤال المستقبليّة

البحث في انعكاسات الانسحاب الأميركيّ الفوضويّ من أفغانستان على الحرب في أوكرانيا ليس مجرّد بحث نظريّ في فرضيّة لا يمكن التأكّد منها بالكامل. إذا كان صحيحاً أنّ الانسحاب رسم انطباعاً في الكرملين بوجود ضعف أميركيّ فإنّ السياسات الأميركيّة المستقبليّة في أوكرانيا يمكن أن تعيد تشكيل انطباع كهذا مع ارتدادات أخرى ولو على المدى البعيد. على سبيل المثال، لو اختارت الولايات المتحدة قريباً فرض تسوية على أوكرانيا ودفعها إلى تنازل واقعيّ عن بعض أراضيها فهذا يعني صياغة انطباع آخر لدى الروس بعدم قدرة الولايات المتحدة على المضيّ قدماً في الدفاع عن شركائها لفترة زمنيّة طويلة. نتيجة ذلك قد تكون قبولاً روسياً بهدنة غربيّة مقترحة فقط من أجل استعادة القوة لاستكمال "العمليّة الخاصّة" ولو بعد حين.

عن علاقة الانسحاب الأميركيّ بالغزو الروسيّ لأوكرانيا، كتب بيلدت: "بينما انتهت إحدى الحروب، انطلقت أخرى". وهذا ما قد يحصل تماماً مع انتهاء "أحد فصول" الحرب في أوكرانيا. أن يندلع فصل آخر من هذه الحرب بعد سنوات من استراحة محتملة ليس مستبعداً. في نهاية المطاف، هذا ما فعله بوتين بعد ثمانية أعوام على ضمّ القرم ودعم المتمرّدين في شرق أوكرانيا.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم