الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

قمّة بوتين - شي... مخيّبة لآمال روسيا؟

المصدر: "النهار"
قمة بين الرئيسين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين على هامش أعمال قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" - (أ ف ب)
قمة بين الرئيسين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين على هامش أعمال قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" - (أ ف ب)
A+ A-

"نثمّن كثيراً الموقف المتوازن لأصدقائنا الصينيين حين يتعلّق الأمر بأزمة أوكرانيا. نفهم أسئلتكم ومخاوفكم حيال هذا، وسوف نقدّم بالتأكيد تفسيراً مفصّلاً عن موقفنا من هذه القضيّة خلال اجتماع اليوم (أمس الخميس)، على الرغم من أنّه سبق لنا أن تحدّثنا عنه في وقت سابق".

بهذه الكلمات توجّه الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين إلى نظيره الصينيّ شي جينبينغ على هامش أعمال قمّة "منظّمة شنغهاي للتعاون" التي تستضيفها مدينة سمرقند الأوزبكية. جذب هذا الموقف الأنظار على اعتبار أنّه اعتراف روسيّ رسميّ بأنّ ثمّة ما لا يقلّ عن علامات استفهام صينيّة بشأن سياسة موسكو في أوكرانيا وتحديداً بشأن "عمليّتها العسكريّة الخاصّة".

رحّب شي بـ"صديقه القديم" خلال اللقاء. لكنّه لم يذكر أوكرانيا في تصريحاته العلنيّة. رفضت الصين إدانة روسيا لغزوها أوكرانيا وواصلت شراء النفط الروسيّ لكونه يقدّم بأسعار مخفّضة وصلت إلى نحو 35 دولاراً في بعض الأحيان. لكن لا يبدو أنّ الصين في وارد تقديم ما هو أبعد من ذلك. على العكس، أوقفت شركات صينية التعامل مع روسيا خوفاً من العقوبات الثانويّة.

علامات الاستفهام المحتملة لدى بيجينغ عن العملية العسكريّة قديمة. التقى الرئيسان أوائل شباط قبيل افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في الصين. وأصدرا بياناً تحدّثا فيه عن شراكة "بلا حدود" وعن تفهّم المخاوف الأمنيّة لبعضهما البعض. لكن في حين ذكر البيان منطقة الإندو-باسيفيك، تجاهل أوكرانيا. كان ذلك أوّل مؤشّر إلى أنّ الصين غير راغبة كثيراً بالاستثمار في أزمة شرقيّ أوروبا. نقطة الاستفهام الثانية تمحورت حول ما إذا كان بوتين قد أبلغ شي نيّته شنّ العمليّة العسكريّة. تحدّثت تقارير عن أنّ الصين هرعت لإجلاء مواطنيها من أوكرانيا ممّا يعني أنّها لم تكن على علم بذلك.

أمكن الصين أن تغضّ الطرف عن عملية عسكرية سريعة تطيح حكومة أوكرانيا خلال أيام. لكن مع اقتراب دخول الغزو شهره الثامن، ومن دون أيّ أفق لحلّ سياسيّ أو عسكريّ، تصبح كلفة الحرب كبيرة على بيجينغ.

تنهك تداعيات الحرب على أوكرانيا الاقتصاد الدولي الذي تعتمد الصين على الاندماج فيه لمواصلة نموّها. ومع سياسة "صفر-كوفيد" التي تتّبعها البلاد والمشاكل في القطاع العقاري، يصبح الاقتصاد الصينيّ أكثر عرضة للضرر. كانت لغة شي أقلّ حدّة من تلك التي استخدمها بوتين. في وقت تحدّث الرئيس الروسيّ عن ضرورة العمل مع الصين على تأسيس عالم متعدّد الأقطاب غير مبنيّ على "قواعد اخترعها البعض لتنفيذها على آخرين"، قال شي: "بمواجهة تغيّرات في العالم، للأزمنة والتاريخ، تريد الصين العمل مع روسيا لإظهار انعكاس مسؤولية دولة كبيرة، تلعب دوراً رائداً وتضخّ الاستقرار في عالم مضطرب ومتداخل".

 

أسباب محتملة "للمخاوف"

ثمّن شي موقف بوتين لجهة التزام روسيا بمبدأ صين واحدة مؤكداً أنّ تايوان جزء من الصين. أتى ذلك بعدما دانت روسيا صراحة زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى الجزيرة في آب الماضي. وكرّر بوتين أمس إدانته لـ"استفزازات" أميركا في مضيق تايوان. لكنّ الملاحظ أنّ ثمّة نمطاً من التضامن الروسيّ الإعلاميّ مع الصين أشدّ وضوحاً من التضامن الإعلاميّ لبيجينغ مع موسكو بحيث تكتفي الأولى بالتشديد على أهمّيّة "المصالح الجوهريّة" لروسيا من دون أن تدخل في التحديد أو التفصيل.

ويقول يون صن مدير برنامج الصين في "مركز ستيمسون" إنّ لهجة البيانات الصينيّة "غير عاطفيّة" بعكس البيانات الروسيّة "الأكثر حماسة" والتي تكاد ترقى إلى "ترداد أغنية عن العلاقات الثنائيّة".

ومع أنّ الصين تشارك روسيا في السعي إلى عالم متعدّد الأقطاب، هي نادراً ما تشجب النظام الدوليّ الحاليّ. ثمّة تفسيرات محتملة لذلك. فإلى جانب أنّ هذا النظام سمح لها بالاستفادة الاقتصاديّة ثمّ السياسيّة، يبدو أنّ انهيار الغرب وفي مقدّمته الولايات المتحدة هو حتميّة تاريخيّة بحسب النظرية الصينية. وبالتالي، ما من ضرورة لاتّخاذ خطوات غير مضمونة لتغيير مرتكزاته. بمعنى آخر، هذا ما حصل في أوكرانيا.

أدّى الغزو إلى مفاعيل عكسيّة من بينها إعادة إحياء التلاحم الغربيّ (ولو مع أسئلة حول مدّته)، وتجدّد الحديث عن أهمّيّة الديموقراطيّة، والأهمّ تعزيز حلف شمال الأطلسيّ وصولاً إلى الحديث عن تولّيه دوراً دوليّاً. علاوة على ذلك، أثبت الدعم العسكريّ الغربيّ لأوكرانيا أنّه قادر على تغيير موازين القوى، وبالتالي، قد يقتنع الغرب بجدوى دعم تايوان عسكرياً في حال حاولت الصين إعادة ضمّ الجزيرة بالقوّة. وانهيار القوّات الروسيّة في خاركيف بعد توفير أسلحة نوعيّة إلى أوكرانيا أحدث مثل على ذلك. يمكن أن تلخّص هذه النتائج "المخاوف" و"الأسئلة" الصينية بشأن "العمليّة العسكريّة الخاصة" في أوكرانيا.

 

الصين دولة "أنانيّة"

في السياق نفسه، يرى الباحث في "كارنيغي" إيفان فيغنباوم أنّه إلى جانب كونها دولة "أنانيّة" بشأن مصالحها التي تفرض عليها ألّا تكون "وكيلة" لمصالح موسكو، على الصين مراعاة دول آسيا الوسطى التي لم تبدِ حماسة للحرب الروسية على أوكرانيا. هذا الأمر يدفعها إلى الاكتفاء بدعم روسيا على المستوى الديبلوماسيّ ومواصلة الامتثال للعقوبات الغربيّة بحسب رأيه.

وإشارة بوتين إلى أنّ موقف بلاده من أوكرانيا "سبق أن تحدّثنا عنه" يعني ضمناً أنّ الصين لم تقتنع به في السابق. ويصعب استنتاج أنّها ستكون قد اقتنعت به خلال القمّة إذا كانت ثمانية أشهر من القتال غير كافية لذلك. لكنّ المسؤولين الروس يقولون العكس.

بعد القمّة، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ تقييمي الصين وروسيا للوضع الدولي "متوافقان تماماً" وأنّه "ليس لدينا أيّ اختلافات". ووصف المحادثات بـ"الممتازة". غير أنّ تقييم الديبلوماسيّين العلنيّ يختلف عن تقييمات بعض المراقبين.

نقلت صحيفة "نيويورك تايمس" عن الأستاذ في كلية جونز هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة سيرجي رادشينكو قوله إنّ بوتين "قوّض بشدّة نفوذه مع الصين" من خلال عزل نفسه مع الغرب. وفي ما يشبه تقييم فيغنباوم، أضاف رادشينكو: "ليس لديه (بوتين) مكان آخر يلجأ إليه سوى الصين". و"الصينيون هم الأفضل في السعي إلى مصالحهم الخاصة".

 

 

 

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم