الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

تقرير تشيلكوت: حث العراق وهو ميت

المصدر: "النهار"
امين قمورية
تقرير تشيلكوت: حث العراق وهو ميت
تقرير تشيلكوت: حث العراق وهو ميت
A+ A-

بدلا من أن تتزيّن بغداد بحلة العيد في الفطر، اكتست بلون الحداد الاسود حزنا على ضحايا الكرادة، وفي اي حال هي لم تترك هذا الثوب منذ 2003 يوم انتقل العراق من وضعية الحكم الديكتاتوري الى وضعية الدولة المحتلة ثم الدولة الفاشلة التي صارت حاضنة للارهاب، بعد الغزو الاميركي البريطاني لهذا البلد والذي تبين في تحقيقات لجنة السر البريطاني جون تشيلكوت٬ ان الغزو استند الى "وشايات كاذبة" ومعلومات مغلوطة. وجاءت التفجيرات التي تزامنت مع التقرير لتفضح بالكامل مبررات الحرب التي قال الغازي جورج بوش انها من اجل "تحرير الشعب العراقي"!


والاسوأ من الخلاصات التي توصل اليها تشيلكوت هو توقيت التقرير، حيث صدر في لندن في وقت تغرق بريطانيا في همومها ومشاكلها وخلافاتها الناجمة عن نتيجة الاستفتاء بالخروج من الاتحاد الأوروبي٬ والتطورات السياسية والاقتصادية المترتبة على تلك الورطة، بينما وسائل الإعلام مشتتة بين متابعة التطورات الاقتصادية السلبية٬ وبين صراعات حزب المحافظين وانتخاباته لاختيار زعيم جديد يشغل منصب رئيس الوزراء خلفاً لديفيد كاميرون٬ وملاحقة تطورات الخلافات داخل حزب العمال والتحرّكات لإطاحة زعيمه جيريمي كوربين.


وفي المقابل، فإن الظروف في الدول العربية حدث ولا حرج لا سيما في العراق الذي لا يعول اهله كثيراً على نتائج التقرير البريطاني الذي لن يغير شيئاً في واقع بلدهم المنهار منذ 13 عاماً والذي يعاني جروحاً لا تندمل٬ وصراعات لم تتوقف٬ أسهمت في ظهور المسخ الارهابي "داعش" ودولته.


وكان تقرير لجنة تشيلكوت واضًحا في انتقاداته لطريقة اتخاذ قرار الحرب٬ وقال إنه اتخذ بناء على معلومات وتقديرات استخباراتية فيها أخطاء وكان يجب تمحيصها وإثارة أسئلة حولها. كما أنه انتقد الطريقة التي عرضت بها حكومة رئيس الوزراء السابق طوني بلير تلك المعلومات لكسب التأييد لموقفها وتبرير المشاركة في الحرب٬ وقال إن تصوير مخاطر أسلحة الدمار الشامل في العراق الذي قدمته الحكومة بالتأكيد لم يكن أمراً مبرراً.


الأهم من ذلك أن التقرير اعتبر أن الحرب في ذلك الوقت "لم تكن ضرورية"٬ وقال إن الحكومة البريطانية اشتركت في الحرب قبل أن تستنفد كل الوسائل السلمية الأخرى٬ وتاليا فإن "الغزو لم يكن الخيار الأخير". وعلى رغم غياب كلمات الإدانة الحاسمة، واكتفاء التقرير بذكر أن بلير أرسل قوات - لم تكن مستعدة جيدًا إلى المعركة - وأن خططه كانت غير كافية بالمرة لتبعات ما بعد الحرب، إلا أن التقرير أدان وبوضوح موقف واشنطن من الحرب، ووثق تاريخيًّا معلومات تؤكد أن بوش وأركان الإدارة الأميركية آنذاك، كانوا يريدون دق طبول الحرب ولو على جثث ودماء ملايين العراقيين. حيث أكد التقرير أن الأميركيين لم يكونوا صادقين، وأن وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد لم يكن يسمع لا إلى الأمم المتحدة، ولا إلى بريطانيا في شأن تبعات ما بعد الغزو، كما أكدت معلومات جمعها التقرير من دون لبس، أن الولايات المتحدة فكّكت الجيش العراقي وحزب البعث العراقي دون استشارة أحد.


ولأن التقرير حصل على إذن بنشر وثائق عن مكاتبات واتصالات هاتفية بين بلير وبوش٬ فإنه أكد ما كان متداولاً عن أن بلير وعد بوش بأنه سيقف معه أياً يكن الأمر٬ وذلك قبل ثمانية أشهر من شن الحرب.


قراءة وتحليل نتائج التقرير الواقع في 12 مجلداً تحتوي على مليونين وستمئة ألف كلمة سوف تستغرق أياماً٬ لكن ما هي المسؤولية التي سيتحملها النواب أو بلير؟


تقرير لجنة تشيلكوت وصف منذ البداية بأنه لن يوجه إدانات "قضائية"٬ وإنما سيكون دوره توجيه انتقادات حيثما يتطلب الأمر٬ والإشارة إلى أي أخطاء ارتكبت٬ وتحديد الدروس التي يراها للافادة منها في أي قرار قد تتخذه حكومة مستقبلية للمشاركة في أي حرب. من هذا المنطلق فإن التقرير قد يشكل مجرد "محاكمة معنوية"٬ ويفتح الباب أمام محاسبة إعلامية٬ لكنه لا يحمل أي توصيات لمحاكمات أو إجراءات قضائية ضد أي شخص. وفعلا فإن طوني بلير أصر أن هناك شيئين لن يفعلهما أبدا. فهو لن يعتذر عن إسقاط صدام حسين، ولن يعترف بأن الأرواح التي أزهقت قد ضاعت سدى. وأضاف أن العالم كان أفضل وأكثر أمانا دون الدكتاتور الذي استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه.


وهنا تطل الأسئلة الأخلاقية عمّا حدث في العراق، وماذا بعد هذا التقرير؟ هل تملك الأمم المتحدة فتح تحقيق أكثر دقة يحدثنا عمّن قتل ملايين العراقيين وتسبب في تهاوي السلطة المركزية العراقية، ما أدى إلى وقوع العراق فريسة للصراعات الدولية بالوكالة، ولطائفية شرسة أكلت الأخضر واليابس، خصوصًا وأن واشنطن التزمت الصمت، ورفضت الرد عن الاتهامات التي طاولتها وذكرها التقرير، مؤكدة أنها لن ترد على نتائج تقرير تشيلكوت، بادعاء انشغالها بالقضايا الحالية في الشرق الأوسط.


التقرير بالتأكيد لن ينهي الكلام والجدل٬ أو يوقف الانتقادات في شأن تداعيات ماكينة الحرب التي لا تزال تعمل بكل قوة. لكن تأثيره سيبقى محدودا٬ خصوصا في هذا التوقيت.


وبعد مرور كل هذه السنوات. وهو على ضخامته سيبقى مجرد وثيقة أخرى تضاف إلى الكثير مما هو منشور عن تلك الحرب٬ الذي طوى النسيان والتطورات بعضه.


كما أنه لن يغير شيئا بالنسبة للعراقيين أو للمنطقة المكتوية بنيران حروبها وحروب الآخرين.


[email protected]


Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم