الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

رحلة العذاب من بغداد إلى أرض الأحلام في ألمانيا

المصدر: (أ ف ب)
رحلة العذاب من بغداد إلى أرض الأحلام في ألمانيا
رحلة العذاب من بغداد إلى أرض الأحلام في ألمانيا
A+ A-

يقول الزوجان العراقيان احمد وعلياء اللذان رافقهما فريق من صحافيي "وكالة فرانس برس" من الحدود اليونانية-المقدونية وصولا الى الحدود الالمانية، انهما جازفا بكل شيء للوصول الى ارض الاحلام في المانيا، ويرويان محنة الرحلة الطويلة البالغة 2500 كلم عبر البلقان.


ولدى وصولهما الى بافاريا في جنوب المانيا، احتفل هذا الرجل البني العينين اللامعتين (27 عاما) وزوجته الصهباء الشعر (26 عاما) بفجر حياة جديدة، بعيدا من صخب القنابل في #بغداد.


وفي القطار الآتي من #فيينا، وسط لاجئين آخرين، ورجال اعمال ومسافرين وسائحين، كانا يضحكان. انها ضحكات الفرح لاختتام رحلة استمرت اسبوعا وقادتهما من #تركيا الى المانيا مرورا باليونان ومقدونيا وصربيا والمجر والنمسا، بوتيرة اجتياز بلد واحد في اليوم.


وعلى شاشة الكومبيوتر في قطار هذا المساء، يظهر الطريق الذي يسلكانه. والمسار يدل الى انهما في المانيا، وهذا يعني انها بمنأى عن الخطر. وقال احمد الذي باع منزله ومتجره للالبسة من اجل المجيء بعليا وطفلهما في شهره الرابع الى اوروبا: "لقد نجحنا".


خلال الاسبوع المنصرم، نجا هذان الزوجان المتحدران من بغداد، واللذان لم يحصلا على اي مساعدة طوال رحلتهما، من التوقيف على يد خفر الحدود، وناما في الشارع، ولم يقعا في قبضة اللصوص، وتعاملا مع مهربين عديمي الضمير، وتعرضا للشمس الحارقة مع الطفل آدم في عربة اطفال وارتجفا خلال الليل من البرد، ووقفا في الصف طوال ساعات هنا وهناك لتسجيل اسميهما لدى السلطات اليونانية ثم المقدونية ثم الصربية.


ورافق فريق وكالة فرانس برس المؤلف من ثلاثة صحافيين هذين الزوجين العراقيين عبر دول البلقان وما بعدها، في القطار وفي الحافلة، ومشيا على الاقدام. كانت رحلة محفوفة بالمخاطر التي يتهيبها اعتى الرجال.


ومن اجل التسلل الى المجر، اختار احمد وعليا طريق الحقول بدلا من تسجيل اسميهما مع اخذ بصمات الاصابع، حتى لا يفسدان فرصتهما بالحصول على حق الاقامة في المانيا. وعلى ضوء القمر، حبسا انفاسهما بينما كانا يسيران خلف مهربين لاجتياز الحدود الصربية-المجرية، لانهما كانا يتخوفان من اعتقالهما في اي لحظة ومنعهما من متابعة رحلتهما.


وانفقا بالاجمال اكثر من تسعة الاف أورو (10 الاف دولار) للوصول الى #المانيا، التي يعتبرها مئات الاف #اللاجئين والمهاجرين ارض الميعاد.
وقال احمد الذي كان منهكا لكنه مطمئن: "اريد فقط حياة هانئة لي ولزوجتي ولطفلي. اريد ان اعيش مثل الاخرين، من دون توتر ولا ضغوط ولا خوف".
لقد بدأ كل شيء العام الماضي. ففي شباط 2014، قرر الزوجان الفرار من العراق بعد عشرة ايام على زواجهما. ودعا احمد حبيبته الى مطعم. ويقول: "حصل انفجار وتحطم زجاج المطعم وانهار علينا". ولا تزال الجروح ماثلة للعيان خصوصا على وجه عليا.


ولم تتمكن هذه الطالبة الجامعية من متابعة دروسها في العراق. فقد دخل الاسلاميون مدرستها في احد الايام. وقالت هذه المرأة التي ترتدي قميص تي-شيرت وبنطلون جينز وحذاء رياضي، ان "مسلحين هددوا بقتلي لاني لم اكن ارتدي الحجاب". وتحدثت خلال الرحلة بشكل متقطع عن ذكرياتها ومشاريعها.


واضافت: "نأمل في ان يصبح جزء على الاقل من احلامنا حقيقة".
وقبل ان يتخذا قرارا بتحدي مخاطر الهرب عبر البحر على متن زورق متهالك، حاول احمد الحصول على اللجوء في الولايات المتحدة. لكنه اخفق. وكان ذوو عليا لا يريدون ان تخوص ابنتهم غمار رحلة محفوفة بالمخاطر، لكن المرأة الفتية اصرت.


وقد تردد احمد حتى النهاية. وامام سفينة صيد متهالكة كان يقف في وسطها مهرب في تركيا امرهما ان يصعدا اليها حتى يوصلهما الى السواحل اليونانية، اراد رب العائلة الفتي ان تعود عليا وطفلهما.


واجابت الزوجة: "إما نصل سوية او نموت سوية".


هل شعر بالندم؟ شعور كبير بالاحباط صباح احد الايام في بودابست، عندما لم يتمكن الزوجان المنهكان بعد ليلة لم يتذوقا خلالها طعم النوم من ايجاد فندق، لانهما لا يحملان اوراقا ثبوتية. حتى ان ماخورا رخيصا حاول مهرب ان يقودهما اليه رفض استقبالهما. لا مكان شاغرا، قيل لهما.
عندئذ قالت علياء التي بلغت اقصى درجات الارهاق "لا اريد ان اقول لوالدتي كيف نعيش، ستشعر بحزن كبير...".


وعلى امتداد 2500 كلم من الحدود اليونانية-المقدونية الى المانيا، فر الزوجان الشابان مع طفلهما من بلادهما التي تشهد حالة حرب يخالجهما شعور ثابت بأنهما يتعرضان للاستغلال في كل مناسبة: المهربون يريدون مبالغ اضافية، والسندويشات والماء تكلف مبالغ طائلة.


وفي مخيم بريشيفو في صربيا كان بعض النصابين يحاولون بيع رخص تتيح حسب قولهم للمهاجرين تجنب الوقوف في طوابير طويلة لتسجيل اسمائهم قبل متابعة الرحلة الصعبة. في حين كان رجال الشرطة يرفضون الرد على اسئلة اللاجئين البائسين.


في بلغراد طلب احمد من احد المهربين نقله مع عائلته الى بودابست. الا ان الرجل الجزائري الاصل رفض قائلا "هل سمعتم بالـ71 شخصا الذين عثر عليهم قتلى داخل شاحنة في النمسا؟ انا لا انقل اشخاصا معهم اطفال".


وتمكن احمد وعلياء وآدم اخيرا من الوصول الى بودابست على متن حافلة قبل نقلهم الى الحدود مع #النمسا حيث كان مهرب تكفل بتمريرهم الى النمسا سيراً. ورغم اعتقال ستة اشخاص من المجموعة تمكنت العائلة الصغيرة من العبور.


وفوجئت عليا في احد الايام ان حليبها نضب ولم تعد قادرة بالتالي على ارضاع طفلها، والسبب انها لم تأكل شيئا طيلة النهار.
وبعد وصولهم الى فيينا كان لا بد من تحديد المكان النهائي للرحلة. فكروا قليلا ثم اختاروا كولونيا في مقاطعة رينانيا حيث تعيش شقيقة احمد. بعدها يمكن ان يختارا اما البقاء في المانيا او الانتقال الى هولندا حيث للاثنين اقرباء هناك.


في فيينا، تذوقا للمرة الاولى طعم الحرية حيث لم يكن هناك من يلاحقهما لا بل تناولا سندويش كباب واستعدا للانتقال الى ميونيخ في المانيا.
في ميونيخ لم يجدا مستقبلين للترحيب بهم كما حصل مع غيرهم من المهاجرين الا ان عناصر الشرطة نقلوا افراد العائلة الى معسكر لتسجيل اسمائهم.
ويقول احمد: "نعيش مع عائلة اخرى في غرفة واحدة ولا نزال نرتدي الثياب نفسها التي وصلنا بها".


وحاولت عليا التفاوض للحصول على مكان اقامة افضل الا ان الجواب كان "لستم في فندق هنا".


وبات الزوجان مقتنعين بان هذا الدفق الهائل للمهاجرين قد يحول دون انتقالهما الى منزل فعلي قبل اشهر.


الا ان احمد يبقى متفائلا ويؤكد ان الحظ حالفه في الوصول الى #اوروبا لبناء حياة جديدة. ويقول: "الحمد لله لقد نجحنا".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم